فالمقصود من قوله تعالى: ﴿كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ﴾ : هو ما يلزم عنه من إخراج الفضلات، وهو أمر يمجّ الطبع السليم ذكره، وتستهجن الآذان سماعه، فعدل عنه إلى ملزومه، وهو أكل الطعام.
والكناية هي لفظ له معنيان، أحدهما قريب غير مراد، والآخر بعيد هو المراد، لعلاقة المشابهة بين المعنيين.
فأكل الطعام يحتاج إليه لإقامة بنيته، ويحتاج أيضًا إلى إخراج فضلاته، فاكتفى سبحانه بذكر الملزوم، وأراد اللازم، أو أرادهما معًا، فاكتفى بأكل الطعام عَمَّا يلزم عنه؛ لأنه دالٌّ عليه بالضرورة.
ومن كناياته: قوله تعالى في سورة الإسراء: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ ١.
فالمراد في هذه الآية نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمته عن البخل والإسراف.
فقد عبَّر سبحانه عن البخل بجعل اليد مغلولة إلى العنق، وهي صورة محسَّة منفرة بغيضة، فهذه اليد التي غُلَّت إلى العنق لا تستطيع أن تمتد بشيء إلى فقير، ولا إلى صاحب أو صديق أو ذي رحم.
وعبَّر ببسطها عن كثرة البذل إلى حدٍّ يوجب الذنب، وهو تصوير لحال هذا المبذِّر الذي لا يُبْقِي من ماله على شيء لنفسه وعياله، فاليد المبسوطة من شأنها ألّا يبقى فيها شيء.
ولما كان بسط اليد من الأمور المحمودة قيَّدَها بقوله: ﴿كُلَّ الْبَسْطِ﴾.
ليبقى البسط المعقول على حاله من الوجوب المستحق للمحمدة.
والمعنى: ولا تبسطها البسط كله.