مقاصد المكي والمدني:
القرآن الكريم بوجه عام كتاب هداية، ومنهج حياة، بيَّن الله فيه للناس ما يجب لهم، وما يجب عليهم، وما يحل لهم، وما يحرم عليهم، بأسلوب واضح ناصع البيان، وقد كان في مرحلته الأولى يمتاز بمميزات تأسيسية عقدية وشرعية مجمَلة، وكان في مرحلته الثانية يمتاز بمميزات فرعية تابعة لما سبقها، مفصِّلَةٌ لها، ومبينة لشروطها وأسبابها وعللها، وغير ذلك مما يقتضيه مقام البيان والتفصيل.
فما نزل بالمدينة تابع لما نزل بمكة في أصوله العامة، ومحمولٌ عليه، ومؤيِّدٌ لها.
وإليك بيان ما امتاز به القرآن المكي عن القرآن المدني، وبيان ما امتاز به المدني عن المكي بوجه عام:
١- يعنى القرآن المكي أولًا بترسيخ الأصول الاعتقادية التي جاءت بها جميع الشرائع السماوية.
وهي توحيد الله -عز وجل، وإفراده بالعبادة، وتنزيهه عن كل ما لا يليق بذاته تعالى، وتصديق الرسل في كل ما جاءوا به، والإيمان بالكتب المنزَّلة، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر، إلى آخر ما هنالك من الأصول الاعتقادية.
٢- وعُنِيَ القرآن المكي أيضًا كلَّ العناية بالقضاء على ما ورثوه عن آبائهم، وما ابتدعوه من عند أنفسهم من عادات سيئة، ومعتقدات فاسدة، كسفك الدماء، وأكل مال اليتيم، ووأد البنات، والتطفيف في الكيل والميزان، وغير ذلك من الرذائل.
٣- ودعاهم إلى أصول التشريعات العامة، والآداب السامية، بوصفها برهانًا عمليًّا على سلامة الفطرة وصحة الاعتقاد.
وهذه الأصول التي دعاهم إليها القرآن المكي فصَّلها القرآن المدني، ووضع لها الشروط والقواعد والضوابط، كما سيأتي بيانه بعد قليل.