٤- ولتثبيت هذه الأصول والمعتقدات الصحيحة في قلوب الناس جميعًا؛ مؤمنين وكافرين، عُنِيَ القرآن المكي عناية فائقة بأخبار الأنبياء والأمم السابقة، لما فيها من عظاتٍ وعِبَرٍ وتبيانٍ لسنة الله تعالى في هلاك المكذبين، ونجاة المؤمنين.
ولقد كان إيراد القصص في القرآن المكي بكثرةٍ من أبلغ الأدلة على أن القرآن كان وحيًا من الله تعالى.
ولو تأخَّر إيراده إلى العهد المدني، لقال الكفار: تعلمه محمد -صلى الله عليه وسلم- من أهل الكتاب،
ولكان لقولهم هذا مبرِّرٌ على نحوٍ ما؛ لأن أهل الكتاب كانوا على علمٍ ما بقصص الأنبياء، وأخبار الأمم.
ولقد قال المشركون في مكة: إنما يعلمه بشر، وادعوا أنه يخلو إلى غلام رومي، ويتلقى عنه هذا القرآن، ولم يكن لقولهم هذا شاهد من العقل، ولا من الواقع.
قال تعالى: ﴿لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ ١.
فلو قالوا عن القرآن المدني: تعلَّمه محمد من اليهود حين جاورهم واتصل بهم، قيل لهم: ومَنْ الذي علمه القرآن الذي نزل عليه بمكة، متضمنًا من أخبار الأولين والآخرين ما لا يعلمه اليهود ولا غيرهم.
٥- ومن خواص هذا القسم قِصَرُ معظم آياته وسوره، ولا سيما أوائل ما نزل، ولعل ذلك كان كذلك ليتمكن المؤمنون من حفظه بسهولة ويسر، فهم في أول عهدهم به لم تتعوَّد ألسنتهم على النطق به مرتلًا كما أمر الله تعالى أن يُتْلَى، وفيهم الشيخ الكبير، والمرأة المسنة، والطفل الصغير، وأكثرهم أمِّيُّون، فكيف يستطيعون قراءة الآيات الطويلة المقاطع، وهم لم يتعودوا بعد على مثل