الناس فهمه، فكان بيانه للقرآن مستنبطًا من القرآن نفسه، وبقدرة خاصة منحها الله، وكيفية معينة علَّمه الله إياها.
قال تعالى في سورة القيامة:
﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ ١.
وهو الذكر الحكيم الذي علَّمَ الناس الحكمة -وبالحكمة يستطيعون أن يضعوا الأمور في موضعها، ويتعرَّفوا النهج القويم للحياة المطمئنة، والسعادة المرجوّة في داري الدنيا والآخرة.
قال تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ ٢.
وهو مأدبة الله التي لا ينفذ زادها، ولا ينضب معينها ولا يملها أهلها.
وهو للمؤمنين دواء وشفاء وغذاء، وروح وريحان، هو الحياة في أسمى صورها وأجلِّ معانيها، هو نعيم الدنيا ونعيم الآخرة.
لهذا جمع المسلمون الأوائل كل قواهم، وكرَّسُوا جُلَّ حياتهم لخدمة هذا الكتاب العظيم، ولم يدَّخِروا جهدًا في حفظة وتدوينه، وتفسيره، واستنباط أحكامه، والتنقيب عن لطائفه وأسراره، والعمل به والسير على نهجه في عباداتهم وعاداتهم ومعاملاتهم، فتركوا لنا تراثًا خالدًا غصَّت به المكتبات في مشارق الأرض ومغاربها.
وتتابه الغيث من بعدهم إلى يومنا هذا، يفتح للباحثين في كتاب الله تعالى أبوبًا واسعة من العلم والمعرفة، ويتيح لهم أن ينهلوا من معينه ما شاء الله أن ينهلوا في سهولة ويسر، ولا سيما بعد أن تقدَّمت أدوات الطباعة ووسائل النشر.
٢ الجمعة: ٢.