فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو عليه في المصحف الآن، كان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
٣- أخرج ابن أشته في كتاب المصاحف، عن سليمان بن بلال قال: سمعت ربيعة يسأل: لم قُدِّمَت البقرة وآل عمران، وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة بمكة، وإنما أنزلتا بالمدينة؟، فقال: قُدِّمَتَا وألِّفَ القرآن على علم ممن أَلَّفه، ومن كان معه فيه، واجتماعهم على علمهم بذلك، فهذا مما ينتهي إليه، ولا يسأل عنه.
٤- أن الصحابة أجمعوا على المصحف الذي كُتِبَ في عهد عثمان ولم يخالف منهم أحد، فلو كان هذا الإجماع عن اجتهاد لتمسَّك أصحاب المصاحف المخالفة بترتيب مصاحفهم.
٥- لو كان ترتيب السور عن اجتهاد لظهرت العلة التي بُنِيَ عليها، فمن الواضح أنه لم يرتَّبْ على حسب النزول الزمني، ولا على الطول والقصر، فسور طوال بين قصار وبالعكس، ولا على المكي والمدني، فسور مكية بين سور مدنية وبالعكس، ولا على تجانس الموضوعات وقربها؛ فبين سور القصة الواحدة سور أخرى، ولا على حسب الفواتح، فلم تذكر المسبحات ولاء، مع أن الحواميم رتبت ولاء، كذلك اختلَّ ترتيب الطواسين حيث فصل بين "طسم" الشعراء و"طسم" القصص بـ "طس".
وحيث لم تظهر علة لهذا الترتيب مع الإجماع عليه، كان بتوقيف وتسليم وإذعان لصاحب القرآن.
وقد حاول الزركشي أن يجعل الخلاف بين هذين القولين لفظيًّا، فقال في البرهان: والخلاف بين الفريقين لفظيّ؛ لأن القائل بالثاني يقول: إنه رمز إليهم بذلك لعلمهم بأسباب نزوله، ومواقع كلماته.
ولهذا قال مالك: إنما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي -صلى الله عليه وسلم، مع قوله بأن ترتيب السور باجتهاد منهم، فآل الخلاف إلى أنه هل هو بتوقيف قولي؟ أو بمجرد إسناد فعلي؛ بحيث يبقى لهم فيه مجال للنظر؟ أ. هـ.


الصفحة التالية
Icon