أما "القول الثاني": وهو أن حقيقة العدد غير مقصودة فهو غير صحيح، لما جاء في حديث ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل استزيده، ويزيدني، حتى بلغ سبعة أحرف".
ولما جاء في حديث أبي بكرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فنظرت إلى ميكائيل فسكت، فعلمت أنه قد انتهت العدة".
فهذان الحديثان مع المراجعات الثابتة في الأحاديث السابقة، تدل على أن المراد بالسبعة حقيقة العدد الواقع بين الستة والثمانية.
وأما "القول الثلث": وهو أن المراد من الأحرف السبعة لغات سبع متفرقة في القرآن كله، فليس بالقول المرضي، وذلك لوجوه:
الأول: أن عدم فهم ابن عباس وابن عمر لبعض ألفاظ القرآن لا يدلُّ على أن هذه الألفاظ غير قرشية أو مستعملة في لغة قريش؛ لأنه لا يمكن إدعاء إحاطة كلٍّ منهما بجميع ألفاظ لغة قريش، فقد قالوا: إنه لا يحيط باللغة إلا معصوم.
الثاني: أن هذا القول يتنافى مع ما عُلِمَ من الأحاديث المتقدِّمَة من أن نزول القرآن على سبعة أحرف كان الهدف منه التيسير على الأمة، بأن يقرأ كلُّ واحد بأيِّ حرف منها شاء.
فإذا كان معنى الأحرف السبعة على ما قالوا، لم يكن هناك تخيير في القراءة، بل يكون الكل ملزمًا بحرف واحد.
الثالث: إن هذا الرأي لا يمكن معه تصوّر اختلاف الصحابة في القراءة، وإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- كلًّا منهم على قراءته.
الرابع: أن لغات العرب أكثر من سبع، وفي القرآن كلمات لقبائل كثيرة تزيد على هذا العدد بكثير.
الخامس: أن هذا القول يقتضي أن يكون القرآن أبعاضًا، منه ما هو بلغة قريش، ومنه ما هو بلغة هذيل، وهكذا.
وهذا المذهب يستلزم أن كلَّ شخص لا يمكنه أن يقرأ إلّا البعض الذي نزل بلغته، دون البعض الذي نزل بلغة غيره.