وهو مذهب السلف الذي لا يُعْرَف عن أحد منهم خلافه.
ثم أخذ ابن الجزري يشرح هذه الضوابط واحدًا تلو الآخر، فقال -رحمه الله تعالى:
وقولنا في الضابط: ولو بوجه، نريد به وجهًا من وجوه النحو، سواء كان أفصح أم فصيحًا، مجمعًا عليه أم مختلفًا فيه اختلافًا لا يضرُّ مثله، إذا كانت القراءة مما شاع وذاع، وتلقَّاه الأئمة بالإسناد الصحيح؛ إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم، وهذا هو المختار عند المحققين في ركن موافقة العربية، فكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو أو كثير منهم ولم يعتَبَرْ إنكارهم، بل أجمع الأئمة المقتدى بهم من السلف على قبولها؛ كإسكان "بارئكم"، ويأمركم" ونحوه.
قال الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه "جامع البيان"، بعد ذكره إسكان "بارئكم" "ويأمركم" لأبي عمرو، وحكاية إنكار سيبويه له، قال: والإسكان أصحُّ في النقل، وأكثر في الأداء، وهو الذي اختاره وأخذ به، ثم لما ذكر نصوص رواته قال: وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل.
والرواية إذا ثبتت عنهم لم يردها قياس عربية، ولا فَشْوَ لغة، لأنَّ القراءة سنَّة متَّبَعة يلزم قبولها والمصير إليها.
قال ابن الجزري: ونعني بموافقة أحد المصاحف: ما كان ثابتًا في بعضها دون بعض، كقراءة ابن عامر: "قالوا اتخذ الله ولدًا" في البقرة بغير واو.
"وبالزُّبرِ وبِالكِتَابِ الْمُنِير" بزيادة الباء في الاسمين، ونحو ذلك، فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي.
وكقراءة ابن كثير: "جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار" في الموضع الأخير من سورة براءة بزيادة "من" فإن ذلك ثابت من المصحف المكي.
وكذلك: ﴿فإنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد﴾ في سورة الحديد بحذف "هو". وكذا ﴿سَارِعُوا﴾ بحذف الواو.


الصفحة التالية
Icon