وكذا "منهما مُنْقَلَبًا" بالتثنية في الكهف، إلى غير ذلك من مواضع كثيرة في القرآن اختلفت المصاحف فيها، فوردت القراءة عن أئمة تلك الأمصار على موافقة مصحفهم، فلو لم يكن ذلك كذلك في شيء من المصاحف العثمانية لكانت القراءة بذلك شاذة؛ لمخالفتها الرسم المجمَع عليه.
وقولنا بعد ذلك: "لو احتمالًا" نعني به: ما يوافق الرسم ولو تقديرًا، إذ موافقة الرسم قد تكون تحقيقًا وهو الموافقة الصريحة، وقد تكون تقديرًا وهو الموافقة احتمالًا.
فإنه قد خولف صريح الرسم في مواضع إجماعًا نحو السماوات، والصلحات، واليل، والصلوة، والزكاة، والربوا.
وقد توافق بعض القراءات الرسم تحقيقًا، ويوافقه بعضها تقديرًا، نحو ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فإنه كتب بغير ألف في جميع المصاحف، فقراءة الحذف تحتمله تحقيقًا، كما كتب ﴿مَلِكِ النَّاس﴾ وقراءة الألف محتملة تقديرًا، كما كتب ﴿مَالِكَ الْمُلْك﴾ فتكون الألف حذفت اختصارًا.
ثم قال ابن الجزري في شرح الشرط الثالث:
وقولنا: "وصحَّ سندها" فإنا نعني به: أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله، كذا حتى تنتهي، وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له، غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شَذَّ بها بعضهم١.
هل التواتر شرط في صحة القراءة:
من المعلوم أن القرآن الكريم قد نقل إلينا كله بالتواتر، ولكن هل يشترط التواتر في كل حرف من حروفه لصحة القراءة به، أم يكفي أنه اشتهر بين القراء سلفًا وخلفًا، فتقوم الشهرة مقام التواتر؟
قال ابن الجزري: "وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن، ولم يكتف فيه بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبُت إلّا بالتواتر، وأن ما جاء