ثابت -رضي الله عنه- فانتهج طريقة دقيقة في كتاب الله بما يليق به من تثبت بالغ وحذر شديد وتحريات شاملة، حفظا وكتابة.
وامتاز هذا الجمع بما يلي:
١- أن القرآن جمع على أدق وجوه التحري والبحث وأسلم أصول التثبيت العلمي.
٢- أنه اقتصر في الجمع على ما لم تنسخ تلاوته.
٣- أنه ظفر بإجماع الأمة وتواتر على ما في هذه الصحف كل الأئمة.
وأما الصورة الصوتية فتتجلى في تلقي القرآن بالمشافهة من صاحب الوحي، إذ كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقرأ ما ينزل عليه والصحابة حوله يسمعون بآذانهم ما يقرأ الرسول -عليه السلام- فيعرف الصحابة عن طريق السماع حقيقة النظم القرآني ويقفون على أسلوب آدائه ويتكرر التلقي ويتكرر السمع، فالرسول كان يحفظ القرآن والصحابة يأخذون عنه ويحفظون المأخوذ، ثم يكرر المحفوظ خلال الصلوات الخمس وأثناء التلاوة وهكذا حفظ القرآن في صدر النبي -صلى الله عليه وسلم- وصدر الصحابة، رضوان الله عليهم.
وأما الصورة المكتوبة فهي اللغة العربية الفصحى التي نزل بها القرآن الكريم. وجعل لها السيطرة اللغوية رغم تعدد اللهجات نظرا لاتساع أرجاء شبه الجزيرة العربية واختلاف البيئات فيها الأمر الذي جعل ألسنتها متباينة بعضها عن بعض في النظر والتعبير بأصواتها، وتسهيلا على الصحابة فقد أجاز لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- قراءته باللهجات التي شبوا عليها وأقرأهم الرسول بهذه اللهجات أو بعبارة أصح القراءات وفقا لما تستطيعه ألسنتهم، وكان من الطبيعي أن يترتب على هذه اللهجات إبراز شيء من الخلاف بين الصحابة ومن أتى بعدهم في قراءة القرآن عندما كان أحدهم يقرأ بلهجته، وهكذا يجد الباحث اختلافا في الأداء وفي وجوب القراءة.
الجمع الثالث للقرآن الكريم:
عهد الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في جمع القرآن الكريم إلى أربعة من خيرة الصحابة وثقات الحفاظ وهم: زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وثلاثتهم بعد الأول من قريش. وكان هؤلاء