ويرمي قراء القرآن الكريم بعد ذلك بأنهم يأخذون إسنادهم عما احتمله الرسم في المصحف الإمام؟!
وإذا كان بعض ما أورده "جولدتسيهر" من اختلاف القراءات باختلاف النقط صحيحًا، كما في قراءة "مسسوا" فإن صحتها؛ لأنها رويت كذلك قبل أن ترسم.
وما كان حمزة والكسائي وخلف في قراءتهم "فتثبتوا" -من التثبت- من المصحِّفين.
وما كان القراء الباقون في قراءتهم من التبيين ضالين، وإنما كانوا جميعًا -هؤلاء وهؤلاء- من الرواة الضابطين.
ومن هذا الباب ما صوّبه العلماء من الروايات المحتملة للأوجه المختلفة في النقط، مما ورد في الشعر والنثر -ولكتاب الله المثل الأعلى- ولكني أردت تقريب الأمر على هؤلاء المستشرقين، ومن لف لفهم من المحدثين، بذكر مثال من كلّ:
أ- حكى الأصمعي قال: أنشدنا أبو عمرو:

فما جبنوا أنّا نشد عليهمُ ولكن رأوا نارًا تُحَشُّ وتُسْفَعُ
قال: فذكرت ذلك لشعبة، فقال: "ويلك! إنما هي تحس وتسفع"! أي: تحرق وتسوِّد.
قال الأصمعي: قد أصاب أبو عمرو: "لأن معنى تحش: توقد" وقد أصاب شعبة أيضًا١!
فإذا كانت الروايتان صحيحتين: "تحش وتحس" فلم لا تصح الروايتان "فتثبتوا" و ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ على أنهما كذلك مرويتان، لا على أنهما بذلك: "مسسوا" مرسومتان؟
ب- ومن ذلك ما قال أبو القاسم الزجاجي: "أصل الخداج النقصان في الخلق كان، أو في العِدّة".
١ نزهة الألباء: ٢١.


الصفحة التالية
Icon