ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل صلاة لا قراءة فيها، فهي خداج" أي: "ذات خداج".
ومنه قول علي -رضي الله عنه- في ذي الثدية أنه مخدج اليد، والعلماء يقولون: "الثدي مذكر، وإنما قيل: ذو الثدية بالهاء؛ لأنه ذهب به إلى معنى اللحمة والزيادة"، وبعضهم يقول: "ذو اليُدَيّة -بالياء- يجعلها تصغير اليد"١. وهكذا يصح التأويل في "اليدية" على أية صورة نطقت بها مختلفًا نقطها، فلماذا لا يصح ما روي في قراءة "مسسوا" كذلك؟!
ثالثًا: لو كانت القراءة تابعة للرسم كما يقول: "جولدتسيهر" لصحت كل قراءة يحتملها رسم المصحف، ولكن الأمر على غير ذلك، فإن بعض ما يحتمل الرسم صحيح مثل "مسسوا"٢، وبعضه مردود مثل قراءة حماد الراوية: "أباه" في سورة التوبة٣، وقراءة: "وما كنتم تستكثرون" في سورة الأعراف٤، مع أن هذه القراءة قد استشهد بها "جولدتسيهر" على ما ذهب إليه؟!
فالأصل أن الرسم تابع للرواية والنقل، وأن القراءة منقولة من أفواه الرجال الحفظة٥، لا كما يقلب هؤلاء الوضع، فإذا احتمل الرسم قراءة غير مروية ولا ثابتة، ولا مسندة إسنادًا صحيحًا رُدَّت، وكُذّبت، وكفر متعمدها٦، وما وافق الرسم من القراءات الصحيحة تعبد به، وكان تنزيلًا من حكيم حميد.
لقد يحتمل الرسم من قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ ما نسبت إلى حمزة الزيات من أعدائه: "ذلك الكتب لا زيت فيه"٧!
كما يحتمل الرسم في قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ "ولله ميزاب السموات والأرض"٨ هذا فيما يختص بالنقط.

١ ورقة ١٩ أخبار أبي القاسم الزجاجي.
٢ سورة النساء: آية ٩٤.
٣ آية ١١٤، وانظر الإتحاف للدمياطي: ص٢٤٥.
٤ آية ٤٨، ولم ترد هذه القراءة في السبع، ولا العشر، ولا الأربع عشرة، انظر الإتحاف: ص٢٢٥.
٥ التصحيف للعسكري: ص٩.
٦ منجد المقرئين: ١٧.
٧ انظر التصحيف للعسكري: ٩.
٨ تكملة الفهرست: ص٥.


الصفحة التالية
Icon