كما اختلفوا في: ﴿يُبَشِّرُكَ﴾ و ﴿نُبَشِّرُكَ﴾، فقرئ: يبشرك من البشر وهو البشرى والبشارة، كما قرئت من الإبشار، ومن التبشير في سبحان، والكهف، والتوبة، ومريم، والشورى، واتفقوا على تشديد ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ في الحجر١.
ثم انظر اختلافهم في السُّوء في التوبة والفتح، واتفاقهم على الفتح في مواضع.
واختلفوا في ﴿نُسْقِيكُمْ﴾ "سورة النحل" وفي "المؤمنون" بالنون وفتحها وضمها، واتفقوا على ضم حرف الفرقان: ﴿وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾.
وفي اللغة: خطِف يخطَف، وخطَف يخطِف، ولكن "القراء لم يقرءوا إلاّ ﴿يَخْطَفُ﴾، وخطِف مثل علم. قال أبو علي الفارسي: ولا نعلم أحدًا قرأ إلاّ الأخرى"٢.
فهل كانوا يتفقون ويختلفون، متبعين في ذلك الرسم؟ إن كان ذلك فالرسم واحد، واتحاد الرسم يدعو -في رأي "جولدتسيهر"- إلى اختلافهم في جميع الوارد من هذا الحرف، يقرءون بكل ما يحتمله الرسم ما دام المعنى صحيحًا دون أن يتفقوا في بعض منه، أما وقد اتفقوا على بعض منه مجمعين، فليس من تفسير لذلك إلا أنهم كانوا للرواية والأثر متبعين.
وثانيًا: وهناك ما هو أشد اتصالًا بالأثر، وأقوى احتجاجًا بأن القراءة سنّة: ذلك ما تجوِّز اللغة والصناعة النحوية نطقه بأوجه مختلفة، ومع هذا لم يقرأ القراء إلا بوجه واحد من هذه الوجوه.
جاء في البحر المحيط: قال ابن عطية: "أجمع القراء على ضم الميم من ﴿مُكْثٍ﴾ في قوله: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾ ٣ مع أن

١ انظر النشر: ١/ ٢٣٩ وما بعدها.
٢ الحجّة لأبي علي الفارسي: ١/ ٣٦٥.
٣ سورة الإسراء: ١٠٦.


الصفحة التالية
Icon