المروية فيختار منها ما هو الراجح عنده، ويجرد من ذلك طريقًا في القراءة على حدة، وقد وقع ذلك من الكسائي. وممن اختار من القراءات كما اختار الكسائي: أبو عبيد، وأبو حاتم، والمفضل، وأبو جعفر الطبري"١. وأزيد على قيدي الجزائري: أن يكون الاختيار موافقًا للرسم.
وها هو ذا مكي بن أبي طالب، بعد أن ذكر اختيارات: يعقوب الحضرمي، وعاصم الجحدري، وأبي حاتم السجستاني يقول: "وأكثر اختياراتهم إنما هو في الحرف إذا اجتمع فيه ثلاثة أشياء: قوة وجهه في العربية، وموافقته للمصحف، واجتماع العامة عليه"٢.
ثم فسر المراد بالعامة بقوله: "والعامة عندهم ما اتفق عليه أهل المدينة، وأهل الكوفة، فذلك عندهم حجة قوية".
وربما جعلوا العامة ما اجتمع عليه أهل الحرمين.
ولذا صحت اختيارات، وبطلت أخرى؛ لعدم استيفائها ما شرط في صحة الاختيار؛ فعيسى بن عمر الثقفي "١٤٩هـ" لم يصح اختياره، وكذلك الفراء "٢٠٧هـ" كما بدا في معاني القرآن، وعُذِّب ابن شنبوذ "٣٢٧هـ" على اختياره، كما عذب ابن مقسم "٣٥٤هـ". وقد خالف بعض هؤلاء النقل كعيسى بن عمر، والفراء، وابن مقسم، وخالف الآخرون الرسم المخالفة المردودة كابن شنبوذ، ومن هنا لم يكتب لقراءتهم الذيوع والتوثيق مع إمامتهم وأهليتهم للاختيار، كما كتب للأئمة الآخرين الموثقين.
ومما يلقي ضوءًا على وجوب تقييد الاختيار بالأثر المروي، قول ابن خالويه "٣٧٠هـ" في صدر كتابه الحجة: "وبعد، فإني تدبرت قراءة الأئمة السبعة من أهل الأمصار الخمسة المعروفين بصحة النقل، وإتقان الحفظ، المأمونين على تأدية الرواية واللفظ، فرأيت كلا منهم ذهب في إعراب ما انفرد به من حروفه مذهبًا من مذاهب العربية لا يدفع، وقصد من القياس وجهًا لا يمنع، فوافق باللفظ والحكاية طريق النقل والرواية، غير مؤثر للاختيار على واجب الآثار"٣.

١ التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن: ٩٩.
٢ الإبانة: ٨.
٣ الحجة لابن خالويه: ١.


الصفحة التالية
Icon