وهذا يفسر لنا اختلاف الروايتين عن إمام واحد؛ فكل منهما اختار لنفسه قراءة تلقاها عن إمامه، غير خارجة عن الآثار، فاختيار القراء بذلك الوجه من اللغة حسبما قرأ به؛ فآثره على غيره، وداوم عليه، ولزمه حتى اشتهر عنه، وعرف به، وقصد فيه، وأخذ عنه؛ فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء، وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم، لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد١.
لذلك كان أبو عمرو البصري -مثلًا- يقول: "لولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ، لقرأت كذا، وكذا"٢.
وكذلك روي عن ابن عامر أنه لم يتعد فيما ذهب إليه الأثر، ولم يقل قولًا يخالف فيه الخبر٣، وكان نقله موافقًا - مع ذلك- القياس٤.
وقالوا عن حمزة: "إنه لم يقرأ حرفًا إلا بأثر٥، كما قالوا عن غيرهم من الأئمة مثل يحيى بن سلام "٢٠٠هـ" الذي كان له اختيار في القراءة من طريق الآثار٦، ومثله القاسم بن سلام "٢٢٤هـ" الذي وافق اختياره العربية والأثرة"٧.
وأنتهي إلى تسجيل هذه النتيجة وهي "أن ما كان من هذه الاختيارات مبينًا على التلقي والرواية، موافقًا للعربية، ورسم المصحف الإمام؛ أخذ به، وإلا رُدّ كما رُدّ اختيار كثير من الأئمة في النحو واللغة وعلوم القرآن".

١ النشر: ١/ ٥٢.
٢ طبقات القراء: ١/ ٢٩٠.
٣ المصدر السابق: ١/ ٤٢٥.
٤ أحسن التقاسيم: ١٤٣.
٥ طبقات القراء: ١/ ٢٦١.
٦ المصدر السابق: ٢/ ٣٧٣.
٧ طبقات القراء: ٣/ ١٨.


الصفحة التالية
Icon