- وأما الطبقة الرابعة وهي طبقة المولَّدينَ فلم يستشهدوا بشعرهم (١)، وقد نقل السيوطيُّ الإجْماعَ على ذلك (٢). والمولَّدون هم الذين لم يتمحضوا للعرب من الشعراء، فـ «رجلٌ مولَّد، إذا كان عربيًا غيرَ مَحضٍ» (٣)، «وإِنَّما سُمِّي المُولَّدُ من الكلامِ مُولَّدًا إذا استحدثوهُ، ولم يكنْ من كلامهم فيما مَضى» (٤). «والمُولَّدُ المُحدَثُ من كل شيء» (٥). وهذا يدلُّ على أَنَّ المولَّدَ يُقصدُ به الشخصُ المُحدَثُ أيضًا، سواءً أكانَ عربيَّ النَّسبِ صراحةً أم لا، فقد كان أبو عمرو بن العلاء (١٥٤ هـ) يَعُدُّ الأخطلَ وجريرَ والفرزدق من المُحدَثين، ولم يَرْضَ الاستشهادَ بشعرهم. ومثله أبو عمرو الشيباني (٢٠٦ هـ) الذي يقول: «لولا أَنَّ أبا نواس (١٩٨ هـ) أفسدَ شِعرَهُ بهذه الأقذارِ لاحتَجَجْنا به؛ لأَنَّهُ مُحكمُ القولِ لا يُخطئ» (٦). وأبو عبيدة مَعْمرُ بن المُثَنَّى (٢١٠ هـ) يقول: «افتتح الشعرُ بامرئِ القيسِ، وخُتِمَ بابنِ هَرْمة (١٧٦ هـ)» (٧). والأصمعي (٢١٦ هـ) يقول: «ساقةُ الشعراء ابن ميَّادةَ، وابنُ هَرْمَة، ورؤبة، وحَكَمُ الخُضَريُّ (١٥٠ هـ) (٨)، ومَكينُ العذري (١٦٠ هـ)، وقد رأيتهم أجمعين» (٩). في حين أَنَّهُ يَمنعُ الاستشهاد بشعر شعراء قبل هؤلاء مثل الكميت والطرمَّاح.
ومن خلال أقوال أهل العربية في التحديد الزمني لنهاية عصر الاحتجاج بالشعر، وجواز الاستشهاد به في اللغة والتفسير، يظهر اختلافهم في وضعِ تاريخٍ دقيقٍ، يكون فاصلًا بين مَنْ يصحُّ الأخذُ عنهم،
_________
(١) انظر: خزانة الأدب ١/ ٤.
(٢) انظر: الاقتراح ٥٤.
(٣) الصحاح ٢/ ٥٥٤.
(٤) لسان العرب ٣/ ٤٦٩ (ولد).
(٥) لسان العرب ٣/ ٤٦٧ (ولد).
(٦) خزانة الأدب ١/ ٣٤٨.
(٧) المزهر ٢/ ٤٨٤.
(٨) هو الحَكَمُ بن معمر بن قنبر من قيس عيلان، شاعر إسلامي هجَّاء، كان يهاجي ابن ميادة توفي سنة ١٥٠ هـ. انظر: الأصمعيات ٣٢، الأغاني ٢/ ٩٤، معجم الأدباء ١٠/ ٢٤٠.
(٩) الشعر والشعراء ٢/ ٧٥٣، وخزانة الأدب ١/ ٨، ٤٢٥.


الصفحة التالية
Icon