يقول الزركشي: «ثم إن كان ما تضمنه ألفاظُها - أي اللغة - يوجب العمل دون العلم كفى فيه الاستشهادُ بالبيت والبيتين، وإن كان مِمَّا يوجبُ العلمَ لم يكف ذلك، بل لا بُدَّ من أن يستفيضَ ذلك اللفظُ، وتكثرَ شواهدُه من الشعر» (١). ولم يتبين لي تفريقه بين ما يوجب العمل وما يوجب العلم من الألفاظ في القرآن الكريم. غير أن الزجَّاجَ (ت ٣١١ هـ) (٢) بَيَّنَ عِلَّةَ الإِكثارِ من الشواهد في بعض المسائل دون بعض فقال عند توجيهه لقراءة التخفيف في قوله تعالى: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النمل: ٢٥] (٣): «ومَنْ قرأَ بالتخفيف - أَلا يَسْجدو (٤) - فـ «ألا» لابتداء الكلام والتنبيه، والوقوف عليه أَلايَا - ثم يستأنفُ فيقول: اسجدوا لله.... ومثل قوله: ﴿أَلا يا سْجُدوا﴾ بالتخفيفِ قولُ ذي الرمَّةِ:

أَلا يَا اسْلَمِي يا دَارَ مَيَّ عَلى البِلا ولا زَالَ مُنهَلًّا بِجَرْعَائِكِ القَطْرُ (٥)
وقال الأخطل:
أَلا يا اسْلَمِي يا هِنْدُ هِنْدَ بَنِي بَدْرِ وإِنْ كَانَ حَيَّانَا عِدًى آَخِرَ الدَّهْرِ (٦)
وقال العجاج:
_________
(١) البرهان في علوم القرآن ١/ ٣٩٧، ٢/ ٣٠٦.
(٢) هو أبو إسحاق إبراهيم بن السَّرِيِّ بن سهل الزجاج نسبة إلى عمل الزُّجَاجِ وخراطته، من الطبقة السادسة من نحويي البصرة، تتلمذ للمُبَرِّد، ومن تلاميذه أبو علي الفارسي وغيره، توفي سنة ٣١١ هـ. من مؤلفاته (معاني القرآن). انظر: تهذيب اللغة ١/ ١٣، إنباه الرواة ١/ ١٩٤ - ٢٠١.
(٣) النمل ٢٥.
(٤) قرأ بها من العشرة أبو جعفر والكسائي ورويس عن يعقوب، وقرأ بها ابن عباس والزهري وغيرهم. انظر: السبعة ٤٨٠، الكشف عن وجوه القراءات ٢/ ١٥٦، حجة القراءات ٥٢٦.
(٥) الجَرْعَاءُ من الرَّمْلِ رَابيَةٌ سَهْلَةٌ لَيّنَةٌ. ديوانه ١/ ٥٥٩ - ٥٦٠.
(٦) انظر: ديوانه ٧٠.


الصفحة التالية
Icon