فيكون الاستشهاد بها على الأسلوب من حيث النحو أو البلاغة لا على الألفاظ. ومن ذلك استشهاد الطبري لأسلوب الالتفات في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (١٠٧)﴾ [البقرة: ١٠٧] (١) بأبيات للكميت بن زيد، حيث قال الطبري: «.... وذلك من كلام العرب مستفيضٌ بينهم، فصيح أَنْ يُخْرِجَ المتكلمُ كلامَه على وجه الخطاب منه لبعض الناس، وهو قاصدٌ به غَيْرَه وعلى وجه الخطاب لواحدٍ وهو يقصد به جَماعةً غَيرَه، أو جَماعةً والمخاطبُ به أَحدُهُم، وعلى هذا الخطاب للجماعة والمقصود به أحدهم من ذلك قول الله جل ثناؤه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١)﴾ ثم قال: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (٢)﴾ [الأحزاب: ١ - ٢] فرَجعَ إلى خطاب الجماعة وقد ابتدأ الكلام بخطاب النبي، ونظير ذلك قول الكميت بن زيد في مدح رسول الله - ﷺ -:

وقِيْلَ:
إلى السِّرَاجِ المُنِيرِ أَحْمدَ لا يَعْدِلُنِي رَغبةٌ ولا رَهَبُ
عنهُ إلى غَيرهِ ولو رَفَعَ الناسُ إليَّ العيونَ وارتقبُوا
أَفْرطتَ، بَلْ قَصَدْتُ وَلَو عَنَّفَنِي القَائلونَ أَو ثَلَبُوا
لَجَّ بِتَفضيلكَ اللسانُ ولَو أُكْثِرَ فيكَ الضِّجَاجُ واللَّجَبُ
أَنْتَ المُصَفَّي المَحْضُ المُهَذَّبُ في النِّسْبةِ إِنْ نَصَّ قَومَكَ النَّسَبُ (٢)
فأخرج كلامه على وجه الخطاب للنبي - ﷺ - وهو قاصد بذلك أهل بيته فكني عن وصفهم ومدحهم بذكر النبي - ﷺ -، وعَنَى بني أمية بالقائلين المُعَنِّفيْن؛ لأنه معلوم أنه لا أحد يوصف بتعنيف مادح النبي - ﷺ - وتفضيله، ولا بإكثار الضجاج واللجب في إطناب القيل بفضله». (٣) وهذه صورة قليلة الورود في كتب التفسير.
_________
(١) البقرة ١٠٧.
(٢) انظر: ديوانه ٤/ ١٥٨، الحيوان ٥/ ١٧٠.
(٣) تفسير الطبري (شاكر) ٢/ ٤٨٥ - ٤٨٦.


الصفحة التالية
Icon