فالشعر فيه الحكمة، وفيه الفحش «وليس أحدٌ من كبار الصحابةِ، وأهل العلمِ، وموضعِ القدوةِ إلا وقدْ قالَ الشعرَ، وتَمثَّلَ به، أو سَمِعَهُ فرضيه، وذلك ما كان حِكمةً، أو مباحًا من القول، ولم يكن فيه فُحشٌ ولا خَنَى، ولا لِمُسلمٍ أذى، فإنْ كان ذلك فهو أَو المنثورُ من الكلام سواء، لا يَحِلُّ سَماعهُ ولا قوله» (١).
وقد أجاب الإمام الذهبي على سؤال حول حكم الشعر فقال: «وكذلك الشعر هو كلام كالكلام، فحَسَنُهُ حَسَنٌ، وقَبيحهُ قَبيحٌ، والتوسعُ منه مباح، إلا التوسع في حفظِ مثل شعر أبي نُواس وابنِ الحَجَّاجِ (٢) وابنِ الفارضِ (٣) فإِنَّهُ حَرامٌ، قال في مثلهِ نَبِيُّكَ: «لأن يَمتلئَ جوفُ أحدكم قيحًا حتى يَرِيَهُ خَيْرٌ له من أَن يَمتلئَ شعرًا»» (٤).
وليس معنى نفي الشعر عن النبي - ﷺ - أنه لا يفهم الشعر ولا يستجيده، بل هو يفهمه ويتذوقه، ومن الأدلة على ذلك أَنَّهُ حين طلب من الشعراء أَنْ يدفعوا أذى قريش وهجاءها، جاءه علي بن أبي طالب فصَرَفه، وعبدالله بن رواحة فلم يعجبه هجاؤه، وكعب بن مالك فاستحسنه، ودعا لهم جَميعًا، غير أَنَّه لما هجاهم حسان بن ثابت رضي الله عنه قال: «لقد شَفَى واشتَفى» (٥).
_________
(١) التمهيد لابن عبد البر ٢٢/ ١٩٤.
(٢) هو حسينُ بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج، النيلي البغدادى، شاعر شيعي من عصر بني بويه الشيعة، غلب عليه الهزل، قال عنه الذهبي: «شاعر العصر، وسفيهُ الأدباء، وأميْرُ الفحش». كان أمةً وحدَهُ فى نظمِ القبائحِ، توفي ببغداد سنة ٣٩١ هـ. انظر: معجم الأدباء ٩/ ٢٠٦، سير أعلام النبلاء ١٧/ ٥٩.
(٣) هو عُمر بن علي بن مرشد الحموي، مصري المولد والدار والوفاة، لقب بشرف الدين بن الفارض (٥٧٦ - ٦٣٢ هـ)، شاعر متصوف، في شعره فلسفة تتصل بِما يُسمَّى (وحدة الوجود)، ظهرت في شعره، سلك طريق التصوف وجعل يأوي إلى المساجد المهجورة وأطراف جبل المقطم. انظر: سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٣٦٨.
(٤) مسائل في طلب العلم وأقسامه ٢٠٩ - ٢١٠ ضمن ست رسائل للإمام الذهبي.
(٥) صحيح مسلم ٤/ ١٤٦.


الصفحة التالية
Icon