وحدثنا أبو القاسم، عن أبي بكر بن نبت العروق أنه كان يقول: إن الإظهار متفاضل في القوة والتمكن عند هذه الحروف، فأشد الإظهار وأسرعه وأمكنه عند الهمزة، ثم الهاء، ثم الحاء، ثم العين، وأضعفه وأقربه عند الخاء والغين. وقال ابن مجاهد: النون والتنوين يبينان عند الهاء والغين ضرورة من غير تعمُّل.
وحدثنا أبو داود وأبو الحسن، حدثنا أبو عمرو قال: ويبينان عند الهمزة والعين والحاء بتعمُّل.
قال أبو جعفر: ومن الناس من يسرف في التعمل حتى يخرج إلى ما لا يجوز، فليجتنب ذلك.
أقول: وللتعمل حد، وإذا ارتاض اللسان سقط.
ووافق ورش القراء في الإظهار عند هذه الحروف إلا أنه اعترضه عند الهمزة، من أصله في نقل حركتها إلى ما قبلها، ما أوجب تحريك النون والتنوين، فخرجا بالنقل إليهما عن أن يكونا ساكنين، فلا يجتمعان معها على قراءته إلا في ﴿يَنْأَوْنَ﴾ لأنه لا ينقل الحركة في كلمة، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
ذكر الإبدال:
أجمعوا على إبدال النون والتنوين ميما قبل الباء، سواء كانت النون من كلمة أو كلمتين، أو كان سكونها خلقة أو لجازم نحو: ﴿أَنْبِئْهُمْ﴾ [البقرة: ٣٣] و ﴿أَنْ بُورِكَ﴾ [النمل: ٨] و ﴿يُؤْمِنْ بِاللَّهِ﴾، و ﴿صُمٌّ بُكْمٌ﴾ [البقرة: ١٨، ١٧١] ونحوه، قلبا صحيحا من غير إدغام ولا إخفاء، قال سيبويه: "تقلب النون مع الباء ميما؛ لأنها من موضع تعتل فيه النون، فأرادوا أن يدغموها إذ كانت الباء من موضع الميم، كما أدغموها فيما قرب من الراء في الموضع، فجعلوا ما هو من موضع ما وافقها في الصوت بمنزلة ما قرب من أقرب الحروف منها في الموضع، ولم يجعلوا النون باء لبعدها في المخرج، وأنها ليست فيها غنة، ولكنهم أبدلوا من مكانها أشبه الحروف بالنون وهي الميم، وذلك مثل: مم بك، يريد: من بك، وشمباء وعمبر، يريد: شنباء وعنبرا".


الصفحة التالية
Icon