وقال سيبويه أيضا: "وإذا كانت -يعني النون- مع الباء لم تتبين، وذلك شنباء والعنبر؛ لأنك لا تدغم النون، وإنما تحولها ميما، والميم لا تقع ساكنة قبل الباء في كلمة، فليس في هذا الباب التباس بغيره".
قال لي أبي -رضي الله عنه: زعم الفراء أن النون عند الباء مخفاة، كما تخفى عند غيرها من حروف الفم، وتأويل قوله أنه سمى البدل إخفاء، وقد أخذ بظاهر عبارته قوم من القراء المنتحلين في الإعراب مذهب الكوفيين، وتبعهم قوم من المتأخرين، خلطوا بين مذهب سيبويه وعبارة الفراء، من القلب والإخفاء، فغلطوا، وقد قلنا في ذلك فيما مضى.
ذكر الإخفاء:
اتفقوا بعد ما ذكرنا عنهم من أحوال النون والتنوين عند الاثني عشر حرفا المتقدمة على إخفائهما عند باقي الحروف، وهي خمسة عشر حرفا: التاء، والثاء، والجيم، والدال، والذال، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والفاء، والقاف، والكاف، سواء كانت النون من كلمة أو من كلمتين نحو قوله تعالى: ﴿أَنْتُمْ﴾، و ﴿مَنْ تَابَ﴾، و ﴿شَهْرٍ، تَنَزَّلُ﴾ [القدر: ٣، ٤] ﴿وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى﴾ [البقرة: ١٧٨]، ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ﴾ [النحل: ٦٧]، و ﴿خَيْرٌ ثَوَابًا﴾ [الكهف: ٤٤]، و ﴿الْإِنْجِيلُ﴾، و ﴿مِنْ جَهَنَّمَ﴾، و ﴿مُوصٍ جَنَفًا﴾ [البقرة: ١٨٢]، و ﴿أَنْدَادًا﴾، و ﴿مِنْ دِيَارِهِمْ﴾، و ﴿مُسْتَقِيمٍ دِينًا﴾ [الأنعام: ١٦١]، و ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ [البقرة: ٦]، [يس: ١٠]، و ﴿عَنْ ذِكْرِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٧١]، و ﴿سَحِيقٍ، ذَلِكَ﴾ [الحج: ٣١، ٣٢]، و ﴿أَنْزَلْنَا﴾، و ﴿فَإِنْ زَلَلْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٩]، و ﴿يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ [طه: ١٠٢]، و ﴿مِنْسَأَتَهُ﴾ [سبأ: ١٤]، و ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ﴾، و ﴿عَظِيمٌ، سَمَّاعُونَ﴾ [المائدة: ٤١، ٤٢]، و ﴿أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً﴾ [الواقعة: ٣٥]، و ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا﴾ [الإسراء: ٨٦]، و ﴿غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: ٣٠]، [الشورى: ٢٣]، و ﴿يَنْقَلِبْ﴾، و ﴿مَنْ قَالَ﴾، و ﴿عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء: ١٤٩]، و ﴿أَنْكَاثًا﴾ [النحل: ٩٢]، و ﴿مَنْ كَانَ﴾، و ﴿خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج: ٣٨] ونحو ذلك.


الصفحة التالية
Icon