سكنت فقال: "وأسكنوا الميم لأنهم لما حذفوا الياء والواو كرهوا أن يدعوا بعدها شيئا منهما، إذ كانتا تحذفان استثقالا، فصارت الضمة بعدها نحو الواو، ولو فعلوا ذلك لاجتمع في كلامهم أربعة متحركات ليس معهن ساكن نحو "رُسُلُكُُمُو" وهم يكرهون هذا، ألا ترى أنه ليس في كلامهم اسم على أربعة أحرف متحرك كله؟ ".
قال: "فأما الهاء فحُرِّكت في الباب الأول؛ لأنه لا يلتقي ساكنان".
فجمع سيبويه بهذا الكلام حكم الميم وهاء الكناية، وانبنى على ذلك جواز الروم والإشمام في الهاء، وامتناعه في الميم، ألا ترى أنه من حذف الياء والواو في الوصل سكّن الميم أبدا؟ فإنما يكون الوقف لجميعهم على الحد الذي استعمله بعضهم في الوصل.
وذكر أبو محمد مكي أن هاء الكناية إذا كانت مكسورة قبلها كسرة أو ياء ساكنة، أو كانت مضمومة قبلها ضمة أو واو ساكنة نحو "يعلمه، ويخلقه، وفعلوه، وعقلوه، وبه، وبمزحزحه، وفيه، وإليه" فالوقف عليها بالسكون لا غير عند القراء لخفائها.
وذكر النحاس جواز الروم والإشمام في هذا، وليس هو مذهب القراء. وذكر أبو عمرو أن أهل الأداء مختلفون في ذلك، وأن منهم من يأخذ بالإشارة، قال: وهو أقيس، وهو كما قال.
وإنما أنزل سيبويه الهاء منزلة الساكن في كونها وصلا للروي١ في قوله:
عفت الديار محلها فمقامها
لا في امتناع الروم والإشمام، فالواجب الأخذ فيها بالإشارة، وفي ميم الجميع بغير إشارة على ما ذكرنا من نص سيبويه.
وأما ما ذكر أبو محمد أن من حركها لالتقاء الساكنين فالوقف بالسكون، فإن

١ الروي: هو الحرف الذي تبنى عليه القصيدة، وبتكرار الأبيات، وربما نسبت القصيدة إليه فيقال مثلا: الشاطبية لامية، وعقيلة الشاطبي رائية، وهو في الشطر المذكور بعد الهاء. انظر كتب العروض.


الصفحة التالية
Icon