أنّ مع الله آلهة أخرى إذاً لابتغت تلك الآلهة سبيل القربة منه والتمست الزلفة لديه والمرتبة عنده لأنهم دونه؛ وهم قد اعتقدوا أنّها تقربهم إلى الله زلفى؛ فإذا علموا أنّ هذه الآلهة هي ذاتها محتاجة إلى الله تعالى؛ فقد بطل بذلك أنّها آلهة١ وفي هذا المعنى يقول ابن كثير: "لو كان الأمر كما يقولون وأنّ معه آلهة تُعبد لتقرب إليه وتشفع عنده لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه ويبتغون إليه الوسيلة والقربة فاعبدوه أنتم وحده كما يعبده من تدعونه ولا حاجة لكم إلى معبود يكون واسطة بينكم وبينه.."٢.
المعنى الثاني: أن يكون المراد بالسبيل طريق السعي إلى الغلبة والقهر، أي لطلبوا مغالبة الله ذي العرش. ووجه هذا المعنى أنّ من شأن أهل السلطان أن يسعوا لتوسعة ملكهم وسلطانهم؛ ويكون ذلك بمغالبة ومقاتلة ومنازعة غيرهم من السلاطين والملوك، فلو كان مع الله آلهة لسلكوا عادة أمثالهم. وتمام هذا الدليل محذوف للإيجاز، ويدلّ عليه ما تستلزمه المغالبة والمدافعة من اختلال العالم وفساده لانشغال مديريه بمقاتلة بعضهم بعضاً. وإلى هذا ذهب جماعة من المفسرين٣.
٢ تفسير ابن كثير: ج٣ ص٤١.
٣ انظر: تفسير البغوي ج٣ ص١١٦؛ تفسير القرطبي ج١٠ ص٢٦٥؛ تفسير أبو السعود ج٥ ص١٧٤؛ تفسير الخازن ج٤ ص١٦١؛ تفسير الألوسي ج٥ ص٨٢_٨٣؛ تفسير زاد المسير ج٥ ص٣٨؛ تفسير محاسن التأويل للقاسمي ج١٠ ص٢٣١؛ تفسير فتح القدير للشوكاني ج ٣ ص٢٣٦؛ تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور ج١٥ ص١١١؛ أضواء البيان للشنقيطي ج٣ ص٥٩٤.