والحجة الثانية في خاتمة الآية ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ ولقد فصلت لقصد استقلالها بالاستدلال حتى لا يُظنّ أنّها مكمّلة للدليل والحجة من قوله تعالى قبلها ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ ١. ودليل هذه الحجة على انتفاء الولد من حيث أنّ القنوت - وهو لزوم الطاعة مع الخضوع - هو من شعار العبيد، أمّا الولد فله إدلال على الوالد؛ وإنّما يبرّ به ولا يقنت، فكان إثبات القنوت لله - تعالى - نفي للولد عنه من هذا الوجه٢.
وتأتي الحجة الثالثة في الآية الثانية بقوله تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ ومعنى هذه الجملة الكريمة أنّ الله خالق السموات والأرض على غير مثال سابق، ووجه الحجة - ههنا- أنّه لمّا كان الله عزّ وجل مبدع السموات والأرض وخالقهما، كان أحرى أن يكون ما فيهما من مخلوق من مبدعهما سبحانه، ولكن ذكرهما للتنبيه على عظمة خلقهما كما قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ... ﴾ الآية٣. وعلى هذا فكيف يُجعل له شبيه من خلقه؟! لأنّ الولد مستخرج شبيه بما استخرج من عينه، والله سبحانه ليس له نظير ولا شبيه ولا مثيل، وما جعلوه ولداً له إنّما هو داخل في ما خلقه وأوجده ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ ٤.

١ انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج١ ص٦٨٥.
٢ انظر: تفسير الخازن ج١ ص١٠٠؛ التحرير والتنوير ج١ ص٦٨٥.
٣ سورة غافر: الآية (٥٧).
٤ سورة الشورى: الآية (١١). وانظر: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي ج١ ص٢٢٩؛ البحر المحيط لأبي حيان ج١ ص٣٦٤؛ تفسير الخازن ج١ ص١٠٠؛ فتح القدير للشوكاني ج١ ص١٩٨؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج١ ص٦٨٧.


الصفحة التالية
Icon