وأمّا الحجة الرابعة والأخيرة فجاءت في قوله عز وجلّ: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ووجه الاستدلال ههنا على أنّه سبحانه لا يتخذ ولداً ما بينته هذه الجملة الكريمة أنّه تعالى إذا أراد أمراً وقدّره من أمر الكائنات كلها أو أحكمه وحتّمه فإنما يقول له كن فيكون ذلك الأمر على ما أراد الله تعالى وجوده، أي يكوّن الكائنات كلها بتكوين واحد وكلّها خاضعة لتكوينه سبحانه١.
وفي هذه الحجة كشف لشبهة النصارى حيث توهموا أنّ مجيء عيسى – عليه السلام - من غير أب دليل على أنه ابن الله، فبيّن الله أن تكوين أحوال الموجودات راجع إلى التكوين والتقدير سواء في ذلك ما وجد بواسطة تامّة أو ناقصة أو بلا واسطة. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون﴾ ٢ فليس تخلّق عيسى عليه السلام من أمّ دون أب بموجب كونه ابناً لله تعالى٣.
وأختم كلامي في هذا المبحث بما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس (رضي الله عنهما) عن النبي ﷺ قال: "قال الله تعالى: كذَّبني ابن آدم ولم يكن

١ انظر: تفسير الخازن ج١ ص١٠٠؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج١ ص٦٨٧.
٢ سورة آل عمران: الآية (٥٩). والظاهر في قوله ﴿كُنْ فَيَكُون﴾ المعنى الحقيقي، وأنّه تعالى يقول هذا اللفظ (كن) فيكون ما أراده، وليس في ذلك مانع، ولا جاء ما يوجب تأويله، ومن قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ سورة يس الآية (٨٣). وهذا هو الصحيح والله أعلم. (انظر: فتح القدير للشوكاني ج١ ص١٩٨).
٣ التحرير والتنوير لابن عاشور: ج١ ص٦٨٧.


الصفحة التالية
Icon