الْفُلْكِ، ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ﴾ أَيْ: فِي السُّفُنِ، تَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ يَعْنِي: جَرَتِ السُّفُنُ بِالنَّاسِ، رَجَعَ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْخَبَرِ، ﴿بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ لَيِّنَةٍ، ﴿وَفَرِحُوا بِهَا﴾ أَيْ: بِالرِّيحِ، ﴿جَاءَتْهَا رِيحٌ﴾ أَيْ: جَاءَتِ الْفُلْكَ رِيحٌ، ﴿عَاصِفٌ﴾ شَدِيدَةُ الْهُبُوبِ، وَلَمْ يَقُلْ رِيحٌ عَاصِفَةٌ، لِاخْتِصَاصِ الرِّيحِ بِالْعُصُوفِ. وَقِيلَ: الرِّيحُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ. ﴿وَجَاءَهُمْ﴾ يَعْنِي: رُكْبَانَ السَّفِينَةِ، ﴿الْمَوْجُ﴾ وَهُوَ حَرَكَةُ الْمَاءِ وَاخْتِلَاطُهُ، ﴿مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا﴾ أَيْقَنُوا ﴿أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾ دَنَوْا مِنَ الْهَلَكَةِ، أَيْ: أَحَاطَ بِهِمُ الْهَلَاكُ، ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ أَيْ: أَخْلَصُوا فِي الدُّعَاءِ لِلَّهِ وَلَمْ يَدْعُوا أَحَدًا سِوَى اللَّهِ. وَقَالُوا ﴿لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا﴾ يَا رَبَّنَا، ﴿مِنْ هَذِهِ﴾ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ لَكَ بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ.
﴿فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣) إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) ﴾.
﴿فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ يَظْلِمُونَ وَيَتَجَاوَزُونَ إِلَى غَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَرْضِ، ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ أَيْ: بِالْفَسَادِ. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ لِأَنَّ وَبَالَهُ رَاجِعٌ عَلَيْهَا، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: ﴿مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أَيْ: هَذَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٍ، كَقَوْلِهِ: " لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ " (الْأَحْقَافِ -٣٥)، أَيْ: هَذَا بَلَاغٌ. وَقِيلَ: هُوَ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ وَالْبَغْيُ: ابْتِدَاءٌ، وَمَتَاعٌ: خَبَرُهُ.
وَمَعْنَاهُ: إِنَّمَا بَغْيُكُمْ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، لَا يَصْلُحُ [زَادًا لِمَعَادٍ] (١) لِأَنَّكُمْ تَسْتَوْجِبُونَ بِهِ غَضَبَ اللَّهِ.
وَقَرَأَ حَفْصٌ: "مَتَاعَ" بِالنَّصْبِ، أَيْ تَتَمَتَّعُونَ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ فِي فَنَائِهَا وَزَوَالِهَا، ﴿كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ﴾

(١) في "أ" (لزاد المعاد).


الصفحة التالية
Icon