قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَفْرَسُ النَّاسِ ثَلَاثَةٌ: الْعَزِيزُ فِي يُوسُفَ، حَيْثُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا، وَابْنَةُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَتْ لِأَبِيهَا فِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَيْثُ اسْتَخْلَفَهُ (١).
﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾ [أَيْ: فِي أَرْضِ مِصْرَ] (٢) أَيْ: كَمَا أَنْقَذْنَا يُوسُفُ مِنَ الْقَتْلِ وَأَخْرَجْنَاهُ مِنَ الْجُبِّ، كَذَلِكَ [مَكَّنَا لَهُ] (٣) فِي الْأَرْضِ فَجَعَلْنَاهُ عَلَى خَزَائِنِهَا.
﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ أَيْ: [مَكَّنَّا لَهُ] (٤) فِي الْأَرْضِ لِكَيْ نُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الرُّؤْيَا.
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ قِيلَ: الْهَاءُ فِي أَمْرِهِ كِنَايَةٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، لَا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ وَلَا يَرُدُّ حُكْمَهُ رَادٌّ.
وَقِيلَ: هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ مُسْتَوْلٍ عَلَى أَمْرِ يُوسُفَ بِالتَّدْبِيرِ [وَالْحِيَاطَةِ] (٥) لَا يَكِلُهُ إِلَى أَحَدٍ حَتَّى يَبْلُغَ مُنْتَهَى عِلْمِهِ فِيهِ.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ مَا اللَّهُ بِهِ صَانِعٌ.
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) ﴾.
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ مُنْتَهَى شَبَابِهِ وَشِدَّتِهِ وَقُوَّتِهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: ثَلَاثِينَ سَنَةً.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: عِشْرِينَ سَنَةً.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْأَشَدُّ مَا بَيْنَ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً إِلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً.
وَسُئِلَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ الْأَشُدِّ قَالَ: هُوَ الْحُلُمُ (٦).
﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ فَالْحُكْمُ: النُّبُوَّةُ، وَالْعِلْمُ: الْفِقْهُ فِي الدِّينِ.

(١) صححه الحاكم على شرط الشيخين وأقره الذهبي، المستدرك: ٢ / ٣٤٦، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (١٠ / ٢٦٨) :"رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح إن كان محمد بن كثير هو العبدي، وإن كان الثقفي فقد وثق على ضعف كثير فيه".
(٢) ساقط من "ب".
(٣) في "ب": مكناه.
(٤) في "ب": مكناه.
(٥) في "ب": والإحاطة.
(٦) قال الإمام الطبري: (١٦ / ٢٣) "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه آتى يوسف لما بلغ أشده حكما وعلما =والأشد: هو انتهاء قوته وشبابه= وجائز أن يكون آتاه ذلك وهو ابن ثماني عشرة سنة، وجائز أن يكون آتاه وهو ابن عشرين سنة، وجائز أن يكون آتاه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة - ولا دلالة له في كتاب الله، ولا أثر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا في إجماع الأمة، على أي ذلك كان. وإذا لم يكن ذلك موجودا من الوجه الذي ذكرت، فالصواب أن يقال فيه كما قال الله عز وجل، حتى تثبت حجة بصحة ما قيل في ذلك من الوجه الذي يجب التسليم له، فيسلم لها حينئذ".


الصفحة التالية
Icon