رُوِيَ أَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ حِينَ خَرَجَ مِنَ السِّجْنِ وَأَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ، قَالَ يُوسُفُ: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: وَلَا حِينَ هَمَمْتَ بِهَا يَا يُوسُفُ؟ فَقَالَ يُوسُفُ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ الْآيَةَ (١).
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ ذُنُوبَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي الْقُرْآنِ لِيُعَيِّرَهُمْ، وَلَكِنْ ذَكَرَهَا لِيُبَيِّنَ مَوْضِعَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ، وَلِئَلَّا يَيْئَسَ أَحَدٌ مِنْ رَحْمَتِهِ (٢).
وَقِيلَ: إِنَّهُ ابْتَلَاهُمْ بِالذُّنُوبِ لِيَتَفَرَّدَ بِالطَّهَارَةِ وَالْعِزَّةِ، وَيَلْقَاهُ جَمِيعُ الْخُلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى انْكِسَارِ الْمَعْصِيَةِ.
وَقِيلَ: لِيَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً لِأَهْلِ الذُّنُوبِ فِي رَجَاءِ الرَّحْمَةِ وَتَرْكِ الْإِيَاسِ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالْعَفْوِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَقَائِقِ: الْهَمُّ هَمَّانِ: هَمُّ ثَابِتٌ، وَهُوَ إِذَا كَانَ مَعَهُ عَزْمٌ وَعَقْدٌ وَرِضًا، مِثْلُ هَمِّ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، وَالْعَبْدُ مَأْخُوذٌ بِهِ، وَهَمٌّ عَارِضٌ وَهُوَ الْخَطْرَةُ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ وَلَا عَزْمٍ، مِثْلُ هَمِّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَالْعَبْدُ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَعْمَلْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا،
(٢) ويوسف عليه السلام لم يذكر الله تعالى عنه أنه ارتكب ذنبا، وهو سبحانه لا يذكر لنبي من الأنبياء ذنبا إلا ذكر استغفاره منه، ولم يذكر عن يوسف استغفارا من تلك الكلمة، كما لم يذكر عنه استغفارا من مقدمات الفاحشة، فعلم أنه لم يفعل ذنبا في هذا ولا هذا، بل إن ما فعله كان من الحسنات المبرورة والمساعي المشكورة. انظر: دقائق التفسير": (٣ / ٢٦٢، ٢٨٠).