فَقَالَ يُوسُفُ: فَأَتَوْنِي بِأَخِيكُمُ الَّذِي مِنْ أَبِيكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، وَأَنَا أَرْضَى بِذَلِكَ.
قَالُوا: فَإِنَّ أَبَانَا يَحْزَنُ عَلَى فِرَاقِهِ وَسَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ.
قَالَ: فَدَعُوا بَعْضَكُمْ عِنْدِي رَهِينَةً حَتَّى تَأْتُونِي بِأَخِيكُمْ، فَاقْتَرَعُوا بَيْنَهُمْ، فَأَصَابَتِ الْقَرْعَةُ شَمْعُونَ، وَكَانَ أَحْسَنَهُمْ رَأْيًا فِي يُوسُفَ، فَخَلَّفُوهُ عِنْدَهُ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
﴿وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (٦٠) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (٦١) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢) ﴾.
﴿وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾ أَيْ: حَمَّلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعِيرًا بِعُدَّتِهِمْ، ﴿قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ﴾ يعني ينيامين، ﴿أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ﴾ أَيْ: أُتِمُّهُ وَلَا أَبْخَسُ النَّاسَ شَيْئًا، فَأَزِيدُكُمْ حِمْلَ بِعِيرٍ لِأَجْلِ أَخِيكُمْ، وَأُكْرِمُ مَنْزِلَتَكُمْ وَأُحْسِنُ إِلَيْكُمْ، ﴿وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ خَيْرُ الْمُضِيفِينَ. وَكَانَ قَدْ أَحْسَنَ ضِيَافَتَهُمْ.
﴿فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي﴾ أَيْ: لَيْسَ لَكُمْ عِنْدِي طَعَامٌ أَكِيلُهُ لَكُمْ ﴿وَلَا تَقْرَبُونِ﴾ أَيْ: لَا تَقْرَبُوا دَارِي [وَبِلَادِي] (١) بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ جَزْمٌ عَلَى النَّهْيِ.
﴿قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ﴾ أَيْ: نَطْلُبُهُ وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُرْسِلَهُ مَعَنَا، ﴿وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ﴾ مَا أَمَرْتَنَا بِهِ.
﴿وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ: ﴿لِفِتْيَانِهِ﴾ بِالْأَلِفِ وَالنُّونِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: (٢) " لِفِتْيَتِهِ " بِالتَّاءِ مِنْ غَيْرِ أَلْفٍ يُرِيدُ لِغِلْمَانِهِ، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ الصِّبْيَانِ وَالصِّبْيَةِ، ﴿اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ﴾ ثَمَنَ طَعَامِهِمْ وَكَانَتْ دَرَاهِمَ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَتِ النِّعَالَ وَالْأُدْمَ.
وَقِيلَ: كَانَتْ ثَمَانِيَةَ جُرْبٍ مِنْ سَوِيقِ الْمُقْلِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
﴿فِي رِحَالِهِمْ﴾ أَوْعِيَتِهِمْ، وَهِيَ جَمْعُ رَحْلٍ، ﴿لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا﴾ انْصَرَفُوا، ﴿إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.
وَاخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي فَعَلَهُ يُوسُفُ مِنْ أَجْلِهِ، قِيلَ: أَرَادَ أَنْ يُرِيَهُمْ كَرَمَهُ فِي رَدِّ الْبِضَاعَةِ وَتَقْدِيمِ

(١) ساقط من "أ".
(٢) في "أ": الآخرون.


الصفحة التالية
Icon