﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (٩) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (١١) ﴾.
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ﴾ الَّذِي كَلُّ شَيْءٍ دُونَهُ، ﴿الْمُتَعَالِ﴾ الْمُسْتَعْلِي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بِقُدْرَتِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ﴾ أَيْ: يَسْتَوِي فِي عِلْمِ اللَّهِ الْمُسِرُّ بِالْقَوْلِ وَالْجَاهِرُ بِهِ، ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾ أَيْ: مُسْتَتِرٌ بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ، ﴿وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ أَيْ: ذَاهِبٌ فِي سَرْبِهِ ظَاهِرٌ. وَالسَّرْبُ -بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ-: الطَّرِيقُ (١).
قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: سَارِبٌ بِالنَّهَارِ: أَيْ مُتَصَرِّفٌ فِي حَوَائِجِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [فِي هَذِهِ الْآيَةِ] (٢) هُوَ صَاحِبُ رِيبَةٍ، مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ، فَإِذَا خَرَجَ بِالنَّهَارِ أَرَى النَّاسَ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الْإِثْمِ (٣). وَقِيلَ: مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ، أَيْ: ظَاهِرٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: خَفِيتُ الشَّيْءَ؛ إِذَا أَظْهَرْتَهُ، وَأَخْفَيْتُهُ: إِذَا كَتَمْتَهُ. وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ: أَيْ مُتَوَارٍ دَاخِلٌ فِي سَرْبٍ.
﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ﴾ أَيْ: لِلَّهِ تَعَالَى مَلَائِكَةٌ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِذَا صَعِدَتْ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ جَاءَ فِي عَقِبِهَا مَلَائِكَةُ النَّهَارِ، وَإِذَا صَعِدَتْ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ جَاءَ فِي عَقِبِهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ. وَالتَّعْقِيبُ: الْعَوْدُ بَعْدَ الْبَدْءِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ لِأَنَّ وَاحِدَهَا مُعَقِّبٌ، وَجَمْعَهُ مُعَقِّبَةٌ، ثُمَّ
(٢) ساقط من "ب".
(٣) الطبري: ١٦ / ٣٦٧.