وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، فَوُجِدَ فِي مِئْزَرِهِ دِينَارٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كَيَّةٌ"، ثُمَّ تُوُفِّيَ آخَرُ فَوُجِدَ فِي مِئْزَرِهِ دِينَارَانِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَيَّتَانِ" (١).
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ فِي مَنْعِ الزَّكَاةِ لَا فِي جَمْعِ الْمَالِ الْحَلَالِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ" (٢).
وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا: مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَدَعَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا، فَذَكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إِلَّا لِيُطَيِّبَ بِهَا مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ" (٣).
وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ؟ فَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْرًا لِلْأَمْوَالِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا أُبَالِي لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أعلم عدده ١٥٧/أأُزَكِّيهِ وَأَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وَلَمْ يَقُلْ: وَلَا يُنْفِقُونَهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ جَمِيعًا. قِيلَ: أَرَادَ الْكُنُوزَ وَأَعْيَانَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَقِيلَ: رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الْفِضَّةِ لِأَنَّهَا أَعَمُّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ" "الْبَقَرَةِ -٤٥"، رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا أَعَمُّ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا" (الْجُمُعَةِ -١١) رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا أَعَمُّ، ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أَيْ: أَنْذِرْهُمْ.
﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥) ﴾.
﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ أَيْ: تُدْخَلُ النَّارُ فَيُوقَدُ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الْكُنُوزِ،

(١) أخرجه الإمام أحمد: ١ / ١٠١. قال ابن حجر: رواه أحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى والطبراني والطبري - من طريق شهر بن حوشب.. ورواه ابن حبان من حديث ابن مسعود بالشطر الثاني. انظر: الكافي الشاف ص (٧٦).
(٢) أخرجه الإمام أحمد: ٤ / ١٩٧، ٢٠٢، والمصنف في شرح السنة: ١٠ / ٩١.
(٣) أخرجه أبو داود في الزكاة، باب حقوق المال: ٢ / ٢٥٠، وصححه الحاكم: ٢ / ٣٣٣، والبيهقي: ٤ / ٨٣، وذكره المصنف في المصابيح: ٢ / ١٠. وذكره الهيثمي في المجمع: ٧ / ٣٠ وقال: رواه أبو يعلى وفيه عثمان بن عمير وهو ضعيف. وانظر: الدر المنثور: ٤ / ١٧٨.


الصفحة التالية
Icon