مَعَهُ الْأَوْثَانَ يَقُولُونَ (١) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَجَمِيعَ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَإِنَّكُمْ لَمْ تَعْتَزِلُوا عِبَادَتَهُ ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ فَالْجَأُوا إِلَيْهِ ﴿يَنْشُرْ لَكُمْ﴾ يَبْسُطْ لَكُمْ ﴿رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ﴾ يُسَهِّلْ لَكُمْ ﴿مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا﴾ أَيْ: مَا يَعُودُ إِلَيْهِ يُسْرُكُمْ وَرِفْقُكُمْ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ "مَرْفِقًا" بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ الْإِنْسَانُ.
﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (١٨) ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ﴾ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ: "تَزْوَرُّ" بِسُكُونِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ عَلَى وَزْنِ تَحْمَرُّ وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: بِفَتْحِ الزَّايِ خَفِيفَةً وَأَلِفٍ بَعْدَهَا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بتشديد الزاي ٢١٧/أوَكُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَيْ: تَمِيلُ وَتَعْدِلُ ﴿عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ﴾ أَيْ: جَانِبِ الْيَمِينِ ﴿وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ﴾ أَيْ: تَتْرُكُهُمْ وَتَعْدِلُ عَنْهُمْ ﴿ذَاتَ الشِّمَالِ﴾ أَصْلُ الْقَرْضِ الْقَطْعُ ﴿وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ﴾ أَيْ: مُتَّسَعٍ مِنَ الْكَهْفِ وَجَمْعُهَا فَجَوَاتٌ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كَانَ كَهْفُهُمْ مُسْتَقْبِلَ بَنَاتِ نَعْشٍ لَا تَقَعُ فِيهِ الشَّمْسُ عِنْدَ الطُّلُوعِ وَلَا عِنْدَ الْغُرُوبِ وَلَا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ: اخْتَارَ اللَّهُ لَهُمْ مُضْطَجَعًا (٢) فِي مَقْنَاةٍ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ فَتُؤْذِيهِمْ بِحَرِّهَا وَتُغَيِّرُ أَلْوَانَهُمْ وَهُمْ فِي مُتَّسَعٍ يَنَالُهُمْ بَرْدُ الرِّيحِ وَنَسِيمُهَا وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ كَرْبَ الْغَارِ وَغُمُومَهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ (٣) هَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ وَهُوَ أَنَّ الْكَهْفَ كَانَ مُسْتَقْبِلَ بَنَاتِ نَعْشٍ فَكَانَتِ الشَّمْسُ لَا تَقَعُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ صَرَفَ الشَّمْسَ عَنْهُمْ بِقُدْرَتِهِ وَحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ:
﴿ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ مِنْ عَجَائِبِ صُنْعِ اللَّهِ وَدَلَالَاتِ قُدْرَتِهِ الَّتِي يُعْتَبَرُ بِهَا ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ﴾ أَيْ: مَنْ يُضْلِلْهُ اللَّهُ وَلَمْ يُرْشِدْهُ ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا﴾ مُعِينًا ﴿مُرْشِدًا﴾ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا﴾ أَيْ: مُنْتَبِهِينَ جَمْعُ يَقِظٍ وَيَقُظٍ ﴿وَهُمْ رُقُودٌ﴾ نِيَامٌ جَمْعُ
(٢) في "ب": مضطجعا.
(٣) انظر: زاد المسير: ٥ / ١١٧-١١٨.