﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ أَيْ بِاخْتِيَارِي وَرَأْيِي بَلْ فَعَلْتُهُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَإِلْهَامِهِ ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ أَيْ لَمْ تُطِقْ عَلَيْهِ صَبْرًا وَ"اسْتَطَاعَ" وَ"اسْطَاعَ" بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
رُوِيَ أَنَّ مُوسَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُ قَالَ لَهُ: أَوْصِنِي، قَالَ: لَا تَطْلُبِ الْعِلْمَ لِتُحَدِّثَ بِهِ وَاطْلُبْهُ لِتَعْمَلَ بِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْخَضِرَ حَيٌّ أَمْ مَيِّتٌ (١) ؟ قِيلَ: إِنَّ الْخَضِرَ وَإِلْيَاسَ حَيَّانِ يَلْتَقِيَانِ كُلَّ سَنَةٍ بِالْمَوْسِمِ (٢). وَكَانَ سَبَبُ حَيَاتِهِ فِيمَا يُحْكَى أَنَّهُ شَرِبَ مِنْ عَيْنِ الْحَيَاةِ وَذَلِكَ أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ دَخَلَ الظُّلُمَاتِ لِطَلَبِ عَيْنِ الْحَيَاةِ. وَكَانَ الْخَضِرُ عَلَى مُقَدَّمَتِهِ فَوَقَعَ الْخَضِرُ عَلَى الْعَيْنِ فَنَزَلَ وَاغْتَسَلَ وَتَوَضَّأَ (٣) وَشَرِبَ وَصَلَّى شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَخْطَأَ ذُو الْقَرْنَيْنِ الطَّرِيقَ فَعَادَ (٤).
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ مَيِّتٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ" (الْأَنْبِيَاءِ-٣٤).
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا صَلَّى الْعَشَاءَ لَيْلَةً: "أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ حَيٌّ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ" (٥). وَلَوْ كَانَ الْخَضِرُ حَيًّا لَكَانَ لَا يَعِيشُ بَعْدَهُ".
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (٨٣) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ خَبَرًا وَاخْتَلَفُوا فِي نُبُوَّتِهِ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ نَبِيًّا (٦).
[وَقَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: سُئِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ أَكَانَ نَبِيًّا] (٧) أَمْ مَلِكًا؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَا مَلِكًا وَلَكِنْ كَانَ عَبْدًا أَحَبَّ اللَّهَ وَأَحَبَّهُ اللَّهُ، نَاصَحَ اللَّهَ فَنَاصَحَهُ اللَّهُ (٨).
(٢) خبر ضعيف. انظر: الزهر النضر لابن حجر: ٢ / ٢٠١ (مجموعة الرسائل المنيرية).
(٣) زيادة من "ب".
(٤) المرجع السابق: ٢ / ٢٠٠-٢٠١، وانظر: ابن كثير: ٣ / ١٠١، وأشار إلى ضعف القصة من رواية الطبري بنحوه، القرطبي: ١١ / ٤١ وقال: هذه الروايات كلها لا تقوم على ساق.
(٥) أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء: ٢ / ٧٣-٧٤، ومسلم في فضائل الصحابة، باب قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة" برقم (٢٥٣٧) : ٤ / ١٩٦٥، والمصنف في شرح السنة: ٢ / ١٩٢-١٩٣. وانظر: الزهر النضر لابن الحجر: ٢ / ٢٠٥-٢٠٧ (مجموعة الرسائل المنيرية) قال ابن عمر رضي الله عنهما -في الرواية نفسها: "فوهل الناس من مقالة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك، فيما يتحدثون من هذه الأحاديث، عن مائة سنة، وإنما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لايبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد، يريد بذلك: أن ينخرم ذلك القرن" أي: ينقطع وينقضي.
(٦) قاله عبد الله بن عمرو، والضحاك بن مزاحم. انظر: زاد المسير: ٥ / ١٨٤، البداية والنهاية: ٢ / ١٠٣.
(٧) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(٨) انظر: الطبري: ١٦ / ٨.