الْوُقُوعُ. يُقَالُ: وَجَبَتِ الشَّمْسُ إِذَا سَقَطَتْ لِلْمَغِيبِ، ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ أَمْرُ إِبَاحَةٍ، ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُمَا:.
فَقَالَ عِكْرِمَةُ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ: "الْقَانِعُ" الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ الْمُتَعَفِّفُ يَقْنَعُ بِمَا يُعْطَى وَلَا يَسْأَلُ، وَ"الْمُعْتَرُّ" الَّذِي يَسْأَلُ.
وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "الْقَانِعُ" الَّذِي لَا يَعْتَرِضُ وَلَا يَسْأَلُ، وَ"الْمُعْتَرُّ" الَّذِي يُرِيكَ نَفْسَهُ وَيَتَعَرَّضُ وَلَا يَسْأَلُ، فَعَلَى هَذَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ يَكُونُ "الْقَانِعُ": مِنَ الْقَنَاعَةِ، يُقَالُ: قَنِعَ قَنَاعَةً إِذَا رَضِيَ بِمَا قُسِمَ لَهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ: "الْقَانِعُ": الَّذِي يَسْأَلُ، "وَالْمُعْتَرُّ": الَّذِي يَتَعَرَّضُ وَلَا يَسْأَلُ، فَيَكُونُ "الْقَانِعُ" مِنْ قَنَعَ يَقْنَعُ قُنُوعًا إِذَا سَأَلَ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ: "وَالْمُعْتَرِي" وَهُوَ مِثْلُ الْمُعْتَرِّ، يُقَالُ: عَرَّهُ وَاعْتَرَّهُ وَعَرَّاهُ وَاعْتَرَاهُ إِذَا أَتَاهُ يَطْلُبُ مَعْرُوفَهُ، إِمَّا سُؤَالًا أَوْ تَعَرُّضًا.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: "الْقَانِعُ": الْمِسْكِينُ، "وَالْمُعْتَرُّ": الَّذِي لَيْسَ بِمِسْكِينٍ، وَلَا يَكُونُ لَهُ ذَبِيحَةٌ يَجِيءُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَتَعَرَّضُ لَهُمْ لِأَجْلِ لَحْمِهِمْ (١).
﴿كَذَلِكَ﴾ أَيْ: مِثْلُ مَا وَصَفْنَا مِنْ نَحْرِهَا قِيَامًا، ﴿سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ﴾ نِعْمَةً مِنَّا لِتَتَمَكَّنُوا مِنْ نَحْرِهَا، ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لِكَيْ تَشْكُرُوا إِنْعَامَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.
﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧) ﴾
﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا﴾ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إِذَا نَحَرُوا الْبُدْنَ لَطَّخُوا الْكَعْبَةَ

(١) ذكر هذه الأقوال وغيرها الطبري: ١٧ / ١٦٧ - ١٧٠ ثم قال: (وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: عنى بالقانع: السائل، لأنه لو كان المعني بالقانع في هذا الموضع: المكتفي بما عنده، والمستغني به لقيل: وأطعموا القانع والسائل، ولم يقل: وأطعموا القانع والمعتر، وفي إتباع ذلك قوله: والمعتر، الدليل الواضح على أن القانع معني به السائل من قولهم: قنع فلان إلى فلان، بمعنى سأله وخضع إليه، فهو يقنع قنوعا، ومنه قول لبيد:
وأعطاني المولى على حين فقره بنات إذا قال أبصر خلتي وقنوعي
وأما القانع الذي هو بمعنى المكتفي، فإنه من قنعت، بكسر النون، أقنع قناعة، وقنوعا وقنعانا، وأما المعتر: فإنه الذي يأتيك معترا بك لتعطيه وتطعمه).


الصفحة التالية
Icon