الْأَكْبَرِ" (١) وَأَرَادَ بِالْجِهَادِ الْأَصْغَرِ الْجِهَادَ مَعَ الْكُفَّارِ، وَبِالْجِهَادِ الْأَكْبَرِ الْجِهَادَ مَعَ النَّفْسِ.
﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾ أَيِ: اخْتَارَكُمْ لِدِينِهِ، ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ ضِيقٍ، مَعْنَاهُ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُبْتَلَى بِشَيْءٍ مِنَ الذُّنُوبِ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْهُ مَخْرَجًا، بَعْضُهَا بِالتَّوْبَةِ، وَبَعْضُهَا بِرَدِّ الْمَظَالِمِ وَالْقِصَاصِ، وَبَعْضُهَا بِأَنْوَاعِ الْكَفَّارَاتِ، فَلَيْسَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ذَنْبٌ لَا يَجِدُ الْعَبْدُ سَبِيلًا إِلَى الْخَلَاصِ مِنَ الْعِقَابِ فِيهِ.
وَقِيلَ: مِنْ ضِيقٍ فِي أَوْقَاتِ فُرُوضِكُمْ مِثْلَ هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْفِطْرِ وَوَقْتِ الْحَجِّ إِذَا الْتَبَسَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ، وَسَّعَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَتَيَقَّنُوا.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي الرُّخَصَ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ، كَقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، وَالتَّيَمُّمِ، وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْإِفْطَارِ بِالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ، وَالصَّلَاةِ قَاعِدًا عِنْدَ الْعَجْزِ. وَهُوَ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَرَجُ مَا كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْآصَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، وَضَعَهَا اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ (٢).
﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ أَيْ كَلِمَةَ أَبِيكُمْ، نُصِبَ بِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ. وَقِيلَ: نُصِبَ عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَيِ: اتَّبِعُوا مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ، [وَإِنَّمَا أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ] (٣) لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ﴾ وَلَيْسَ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ يَرْجِعُ نَسَبُهُمْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ؟.
قِيلَ: خَاطَبَ بِهِ الْعَرَبَ وَهُمْ كَانُوا مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ. وَقِيلَ: خَاطَبَ بِهِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِبْرَاهِيمُ أَبٌ لَهُمْ، عَلَى مَعْنَى وُجُوبِ احْتِرَامِهِ وَحِفْظِ حَقِّهِ كَمَا يَجِبُ احْتِرَامُ الْأَبِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَزْوَاجُهُ

(١) قال ابن حجر في الكافي الشاف ص ١١٤: "ذكره الثعلبي بغير سند، وأخرجه البيهقي في "الزهد" من حديث جابر، قال: قدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوم غزاة، فقال: قدمتم بخير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قيل: وما الجهاد الأكبر؟ قال: مجاهدة العبد هواه" قال: فيه ضعف قلت - ابن حجر - هو من رواية عيسى ابن إبراهيم عن يحيى بن يعلى عن ليث ابن أبي سليم، والثلاثة ضعفاء، وأورده النسائي في "الكنى" من قول إبراهيم بن أبي عبلة، أحد التابعين من أهل الشام. ورواه الخطيب البغدادي في التاريخ: ١٣ / ٤٩٣، ونسبه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: ٣ / ٧ للبيهقي وقال: هذا إسناد فيه ضعف انظر كشف الخفاء: ١ / ٥١١، ضعيف الجامع الصغير: ١٤ / ١١٨، الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة للقاري ص ٢١١ - ٢١٢.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور: ٦ / ٧٨ لابن أبي حاتم بلفظ: (الإصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم).
(٣) ما بين القوسين ساقط من "ب".


الصفحة التالية
Icon