﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩) وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) ﴾
﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ﴾ وَعْظٍ وَتَذْكِيرٍ، ﴿مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ﴾ أَيْ: مُحْدَثٍ إِنْزَالُهُ، فَهُوَ مُحْدَثٌ فِي التَّنْزِيلِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: كُلَّمَا نَزَلَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ شَيْءٍ فَهُوَ أَحْدَثُ مِنَ الْأَوَّلِ، ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ أَيْ: عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ. ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ﴾ أَيْ: فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ، ﴿أَنْبَاءُ﴾ أَخْبَارُ وَعَوَاقِبُ، ﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ﴾ صِنْفٍ وَضَرْبٍ، ﴿كَرِيمٍ﴾ حَسَنٍ مِنَ النَّبَاتِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ، يُقَالُ: نَخْلَةٌ كَرِيمَةٌ إِذَا طَابَ حَمْلُهَا، وَنَاقَةٌ كَرِيمَةٌ إِذَا كَثُرَ لَبَنُهَا. قَالَ الشَّعْبِيُّ: النَّاسُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَهُوَ كَرِيمٌ، وَمِنْ دَخَلَ النَّارَ فَهُوَ لَئِيمٌ (١) ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الَّذِي ذَكَرْتُ، ﴿لَآيَةً﴾ دَلَالَةً عَلَى وُجُودِي وَتَوْحِيدِي وَكَمَالِ قُدْرَتِي، ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ مُصَدِّقِينَ، أَيْ: سَبْقَ عِلْمِي فِيهِمْ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: "كَانَ" هَاهُنَا صِلَةٌ، مَجَازُهُ: وَمَا أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الْعَزِيزُ بِالنِّقْمَةِ مِنْ أَعْدَائِهِ، ﴿الرَّحِيمُ﴾ ذُو الرَّحْمَةِ بِأَوْلِيَائِهِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى﴾ وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى حِينَ رَأَى الشَّجَرَةَ وَالنَّارَ، ﴿أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ يَعْنِي: الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَظَلَمُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ بِاسْتِعْبَادِهِمْ وَسَوْمِهِمْ سُوءَ الْعَذَابِ.

(١) أخرجه الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. الدر المنثور: ٦ / ٢٨٩.


الصفحة التالية
Icon