ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (١).
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِسْنَادٍ مِثْلِهِ، وَقَالَ: وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، إِلَى قَوْلِهِ: فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِفْكِ (٢).
وَرَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتِي فَسَأَلَ عَنِّي خَادِمَتِي، فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا عَلِمَتُ عَلَيْهَا عَيْبًا إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلُ خَمِيرَهَا أَوْ عَجِينَهَا، فَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَابَهُ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا عَلِمَتُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ، وَفِيهِ قَالَتْ: وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُفِعَ عَنْهُ وَإِنِّي لَأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَيَقُولُ: أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ فَقَالَ لِي أَبَوَايَ: قُومِي إِلَيْهِ فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُهُ وَلَا أَحْمَدُ أَحَدًا وَلَكِنْ أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي بَرَّأَنِيَ لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ وَلَا غَيَّرْتُمُوهُ (٣).
أَمَّا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ﴾ بِالْكَذِبِ، وَالْإِفْكُ: أَسْوَأُ الْكَذِبِ، سُمِّيَ إِفْكًا لِكَوْنِهِ مَصْرُوفًا عَنِ الْحَقِّ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَفَكَ الشَّيْءَ إِذَا قَلَبَهُ عَنْ وَجْهِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَسْتَحِقُّ الثَّنَاءَ لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْحَصَانَةِ وَالشَّرَفِ فَمَنْ رَمَاهَا بِالسُّوءِ قَلَبَ الْأَمْرَ عَنْ وَجْهِهِ، ﴿عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾ أَيْ: جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، زَوْجَةُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَغَيْرُهُمْ، ﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرًّالَكُمْ﴾ يَا عَائِشَةُ وَيَا صَفْوَانُ، وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِعَائِشَةَ وَلِأَبَوَيْهَا وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِصَفْوَانَ، يَعْنِي: لَا تَحْسَبُوا الْإِفْكَ شَرًّا لَكُمْ، ﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ لِأَنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى ذَلِكَ وَيُظْهِرُ بَرَاءَتَكُمْ.
﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ﴾ يَعْنِي مِنَ الْعُصْبَةِ الْكَاذِبَةِ ﴿مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ﴾ أَيْ: جَزَاءُ مَا اجْتَرَحَ مِنَ الذَّنْبِ عَلَى قَدْرِ مَا خَاضَ فِيهِ، ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ﴾ أَيْ: تَحَمَّلَ مُعْظَمَهُ فَبَدَأَ بِالْخَوْضِ فِيهِ، قَرَأَ يَعْقُوبُ "كُبْرَهُ" بِضَمِّ الْكَافِ، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِالْكَسْرِ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُمَا لُغَتَانِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: قَامَ بِإِشَاعَةِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بن سَلُولَ.

(١) أخرجه البخاري في المغازي، باب حديث الإفك: ٧ / ٤٣١-٤٣٥، وفي تفسير سورة النور: ٨ / ٤٥٢-٤٥٥، وفي الشهادات: ٥ / ٢٦٩-٢٧٢ وفي مواضع أخرى. وأخرجه مسلم في التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف برقم (٢٧٧٠) : ٤ / ٢١٢٩-٢١٣٦ وأخرج المصنف أوله في شرح السنة: ٩ / ١٥٣.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب التفسير، سورة النور: ٨ / ٤٥٢-٤٥٥.
(٣) في رواية البخاري معلقا بصيغةالجزم، باب "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة.." ٨ / ٤٨٨، ومسلم في التوبة أيضا: ٤ / ٢١٣٧-٢١٣٨.


الصفحة التالية
Icon