مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، وَهَذَا السُّؤَالُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِتَصْدِيقِ خَبَرِهِ وَتَحْقِيقِ وَعْدِهِ، ﴿وَتَقُولُ﴾ جَهَنَّمُ، ﴿هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ قَدِ امْتَلَأْتُ وَلَمْ يَبْقَ فِيَّ موضع لم يمتلىء، فَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، هَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَمُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ. وَقِيلَ: هَذَا اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الِاسْتِزَادَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ السُّؤَالُ بِقَوْلِهِ: "هَلِ امْتَلَأَتِ"، قَبْلَ دُخُولِ جَمِيعِ أَهْلِهَا فِيهَا، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَبَقَتْ كَلِمَتُهُ "لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (السَّجْدَةِ-١٣)، فَلَمَّا سِيقَ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَيْهَا لَا يُلْقَى فِيهَا فَوْجٌ إِلَّا ذَهَبَ فِيهَا وَلَا يَمْلَؤُهَا شَيْءٌ، فَتَقُولُ: ألست قد ١٣٨/ب أَقْسَمْتَ لَتَمْلَأَنِّي؟ فَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَقُولُ: هَلِ امْتَلَأَتِ؟ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَدِ امْتَلَأْتُ فَلَيْسَ فِيَّ مَزِيدٌ (١).
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَخْبَرَنَا [أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ] (٢) حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ، وَيَزْوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ خَلْقًا فَيُسْكِنَهُ فُضُولَ الْجَنَّةِ" (٣).
﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةَ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) ﴾
﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ﴾ قُرِّبَتْ وَأُدْنِيَتْ، ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ الشِّرْكَ، ﴿غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوهَا.
﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِالْيَاءِ وَالْآخَرُونَ بِالتَّاءِ، يُقَالُ لَهُمْ: هَذَا الَّذِي تَرَوْنَهُ مَا تُوعَدُونَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، ﴿لِكُلِّ أَوَّابٍ﴾ رَجَّاعٍ إِلَى الطَّاعَةِ عَنِ الْمَعَاصِي، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: هُوَ الَّذِي يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ ثُمَّ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ: الَّذِي يَذْكُرُ ذُنُوبَهُ فِي الْخَلَاءِ فَيَسْتَغْفِرُ مِنْهَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ التَّوَّابُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ: الْمُسَبِّحُ، مِنْ قَوْلِهِ:

(١) انظر: الطبري: ٢٦ / ١٦٩، ابن كثير: ٤ / ٢٢٨.
(٢) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٣) أخرجه البخاري في الأيمان والنذور، باب الحلف بعزة الله: ١١ / ٥٤٥، ومسلم في الجنة، باب النار يدخلها الجبارون، برقم: (٢٨٤٨) : ٤ / ٢١٨٧، والمصنف في شرح السنة: ١٥ / ٢٥٥-٢٥٦.


الصفحة التالية
Icon