الْجَسَدُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا" فَأَقَامَ آصَفُ فِي مُلْكِهِ يَسِيرُ بِسِيرَتِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا إِلَى أَنْ رَدَّ اللَّهُ عَلَى سُلَيْمَانَ مُلْكَهُ، فَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَأَعَادَ الْخَاتَمَ فِي يَدِهِ فَثَبَتَ (١).
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: احْتَجَبَ سُلَيْمَانُ عَنِ النَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ احْتَجَبْتَ عَنِ النَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ فَلَمْ تَنْظُرْ فِي أُمُورِ عِبَادِي؟ فَابْتَلَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَذَكَرَ حَدِيثَ الْخَاتَمِ وَأَخْذَ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ كَمَا رَوَيْنَا.
وَقِيلَ: قَالَ سُلَيْمَانُ يَوْمًا لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِي كُلِّهِنَّ، فَتَأْتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ بِابْنٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ، فَجَامَعَهُنَّ فَمَا خَرَجَ لَهُ مِنْهُنَّ إِلَّا شِقُّ مَوْلُودٍ، فَجَاءَتْ بِهِ الْقَابِلَةُ فَأَلْقَتْهُ عَلَى كُرْسِيِّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا".
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قَالَ سُلَيْمَانُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقِلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشَقِّ رَجُلٍ، وَايْمُ اللَّهِ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أجمعون" (٢)
وقال طاووس عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ، قَالَ لَهُ الْمَلَكُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ. وَأَشْهَرُ الْأَقَاوِيلِ أَنَّ الْجَسَدَ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَى كُرْسِيِّهِ هُوَ صَخْرٌ الْجِنِّيُّ (٣)، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ أَيْ رَجَعَ إِلَى مُلْكِهِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَمَّا رَجَعَ.
﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) ﴾
﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ قَالَ مُقَاتِلٌ وَابْنُ كَيْسَانَ: لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي. قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: يُرِيدُ هَبْ لِي مُلْكًا لَا تَسْلُبْنِيهِ فِي آخر عمري، وتعطيه غَيْرِي كما استلبته في ما مَضَى مِنْ عُمُرِي.
﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ قِيلَ: سَأَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ آيَةً لِنُبُوَّتِهِ، وَدَلَالَةً عَلَى رِسَالَتِهِ، وَمُعْجِزَةً.

(١) قال ابن الجوزي في زاد المسير: ٧ / ١٣٣: وهذا لا يصح، ولا ذكره من يوثق به.
(٢) أخرجه البخاري في الأيمان، باب: كيف كانت يمين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ١١ / ٥٢٤، ومسلم في الأيمان، باب الاستثناء برقم (١٦٥٤) ٣ / ١٢٧٦، والمصنف في شرح السنة: ١ / ١٤٧.
(٣) راجع تعليق (١) المتقدم وما قاله ابن الجوزي فيه.


الصفحة التالية
Icon