﴿لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (١٠) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (١١) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (١٢) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦) أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) ﴾
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ إِبِلَنَا لَتَسْمَنُ عَلَى الضَّرِيعِ، وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِبِلَ إِنَّمَا تَرْعَاهُ مَا دَامَ رَطْبًا، وَتُسَمَّى "شَبْرَقًا" فَإِذَا يَبِسَ لَا يَأْكُلُهُ شَيْءٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾
ثُمَّ وَصَفَ أَهْلَ الْجَنَّةِ فَقَالَ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ﴾ قَالَ مُقَاتِلٌ: فِي نِعْمَةٍ وَكَرَامَةٍ.
﴿لِسَعْيِهَا﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿رَاضِيَةٌ﴾ فِي الْآخِرَةِ حِينَ أُعْطِيَتِ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهَا. ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً﴾ لَغْوٌ وَبَاطِلٌ، قَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ: "لَا يُسْمَعُ" بِالْيَاءِ وَضَمِّهَا، "لَاغِيَةٌ" رَفْعٌ. وَقَرَأَ نَافِعٌ "لَا تُسْمَعُ" بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا، "لَاغِيَةٌ" رَفْعٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ وَفَتَحِهَا "لَاغِيَةً" [بِالنَّصْبِ] (١) عَلَى الْخِطَابِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ﴾ قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَلْوَاحُهَا مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٌ بِالزَّبَرْجَدِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، مُرْتَفِعَةٌ مَا لَمْ يَجِيءْ أَهْلُهَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهَا تَوَاضَعَتْ لَهُ حَتَّى يَجْلِسَ عَلَيْهَا، ثُمَّ تَرْتَفِعُ إِلَى مَوَاضِعِهَا.
﴿وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ﴾ عِنْدَهُمْ، جَمْعُ كُوبٍ، وَهُوَ الإبريق الذي ١٩١/ألَا عُرْوَةَ لَهُ.
﴿وَنَمَارِقُ﴾ وَسَائِدُ وَمَرَافِقُ ﴿مَصْفُوفَةٌ﴾ بَعْضُهَا بِجَنْبِ بَعْضٍ، وَاحِدَتُهَا "نُمْرُقَةٌ" بِضَمِّ النُّونِ.
﴿وَزَرَابِيُّ﴾ يَعْنِي الْبُسُطَ الْعَرِيضَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الطَّنَافِسُ الَّتِي لَهَا خُمُلٌ وَاحِدَتُهَا زَرْبِيَّةٌ، ﴿مَبْثُوثَةٌ﴾ مَبْسُوطَةٌ، وَقِيلَ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْمَجَالِسِ.
﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: لَمَّا نَعَتَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَا فِي الْجَنَّةِ عَجِبَ مِنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْكُفْرِ وَكَذَّبُوهُ، فَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى صُنْعَهُ فَقَالَ: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ﴾ [مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ] (٢) ﴿كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ وَكَانَتِ الْإِبِلُ مِنْ عَيْشِ الْعَرَبِ (٣)
(٢) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(٣) انظر: الطبري: ٣٠ / ١٦٥، الدر المنثور: ٨ / ٤٩٤.