الإيمان بها١، ثم يبلغنا على لسان غيره من الرسل أنها ليست كذلك؛ لأن الحقائق الثابتة لا تتغير، ولا يمكن أن يحصل فيها اختلاف، تبعا لاختلاف الزمان أو المكان أو المبلغ، وكذلك ما جاءت به كل كتب الله من بعث الناس بعد موتهم، فتلك حقيقة يقررها كل رسل الله فلا تختلف باختلاف الكتب أو الرسل.
يقول صاحب كتاب (الإسرائيليات في التفسير والحديث) :"تقوم جميع الكتب السماوية على أساس واحد هو الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى، والأخذ بما جاء عنه من تعاليم تقود الإنسانية إلى طريق الخير والرشاد.
فأصول العقيدة والشريعة واحدة في جميع الأديان، كما يصرح بذلك قوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ..﴾ ٢.
أما تفصيلات الشرائع العملية فتختلف فيها الكتب السماوية اختلافا يتلاءم مع زمان كل منها، ويتفق مع مصالح أتباعها، فما يصلح لزمان قد لا يصلح لآخر، وما يلائم طبيعة قوم قد لا يلائم طبيعة قوم آخرين. مصداق ذلك قوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ ٣.
والقرآن باعتباره خاتم الكتب جاء يجدد دعوة الكتب السماوية السابقة إلى أصول العقيدة والشريعة، ويؤكد وحدتها في جوهر الدعوة إلى الله لتحقق الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، ثم هو بعد ذلك يخالف كل ما سواه من الكتب المنزلة بما ينفرد به من نظم التشريع وألوان العبادات وكيفيات المعاملات التي تلائم عصره وتتفق وصالح الإنسانية في مرحلتها الأخيرة؛ مرحلة النضج والكمال"٤.
٣- وتتفق الكتب المنزلة كذلك في الدعوة إلى الفضائل والترغيب فيها، والترهيب من الرذائل والتنفير منها، فكل كتب الله أمرت بالعدل والإحسان، والصدق والصبر والأمانة والوفاء والرحمة، وما إلى ذلك من الفضائل ومكارم الأخلاق التي تسعد بها البشرية في كل زمان ومكان، وكل كتب الله كذلك قد نهت عن الظلم والخيانة والكذب والغدر والقسوة وما إلى ذلك من الرذائل التي تورد البشرية موارد الهلاك، ويشهد لذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ ٥.

١ ذكر القرآن نوحا عليه السلام في دعوة قومه إلى عبادة الله تعالى وحده، وذلك في مثل قوله عز وجل: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (الأعراف آية ٥٩)، ولم يذكره وهو يدعو إلى أن الله موجود، إذ أن وجوده تقر به الفطر السليمة كما في مثل قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ (لقمان آية ٢٥)، والإقرار بوجود الله تعالى لا يغني عن تجريد العبادة له سبحانه. (المجلة).
٢ الشورى ١٣.
٣ المائدة ٤٨.
٤ الإسرائيليات في التفسير والحديث للأستاذ الدكتور محمد حسين الذهبي ١٢-١٣.
٥ البقرة ٨٣.


الصفحة التالية
Icon