فإنهم لا يكذبونك: أي لا ينسبونك إلى الكذب في بواطنهم ومجالسهم السرية لعلمهم اليقيني أنك صادق.
كذبت رسل: أي كذبتهم أقوامهم وأممهم كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام.
ولا مبدل لكلمات الله: التي تحمل وعده بنصر أوليائه وإهلاك أعدائه.
من نبإ المرسلين: أي أخبارهم في دعواتهم مع أممهم.
تبتغي نفقاً: تطلب سرباً تحت الأرض.
أو سلماً في السماء: أي مصعداً تصعد به إلى السماء.
بآية: أي خارقة من خوارق العادات وهي المعجزات.
فلا تكونن من الجاهلين: أي فلا تقف موقف الجاهلين بتدبير الله في خلقه.
معنى الآيات:
هذه الآيات من تربية الله تعالى لرسوله وإرشاده لما يشد من عزمه ويزيد في ثباته على دعوة الحق التي أناط به بلاغها وبيانها فقال له تعالى: ﴿قد نعلم١ أنه﴾ أي الحال والشأن، ﴿ليحزنك الذي يقولون﴾ أي الكلام الذي يقولون لك وهو تكذيبك واتهامك بالسحر، والتقول على الله، وما إلى ذلك مما هو إساءة لك وفي الحقيقة إنهم لا يكذبونك٢ لما يعلمون من صدقك وهم يلقبونك قبل إنبائك لهم وإرسالك بالأمين ولكن الظالمين هذا شأنهم فهم يرمون الرجل بالكذب وهم يعلمون أنه صادق ويقرون هذا في مجالسهم الخاصة، ولكن كي يتوصلوا إلى تحقيق أهدافهم في الإبقاء على عاداتهم وما ألفوا من عبادة أوثانهم يقولون بألسنتهم من نسبتك إلى الكذب وهم يعلمون أنك صادق٣ غير كاذب فإذا عرفت هذا فلا تحزن لقولهم.

١ قد نعلم إنه: كسرت إن في إنه لدخول اللام في ﴿ليحزنك﴾ ولولاها لفتحت نحو أنه يحزنك.
٢ روي أن أبا جهل وجماعة معه من رجالات قريش مرّوا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا يا محمد ما نكذّبك وإنّك عندنا لصادق ولكن نكذّب ما جئت به. وهذه الآية شاهد لصحة هذه الرواية، ومعنى يكذّبونك ينسبونك إلى الكذب ويردون قولك.
٣ روى ابن اسحق وغبره أنّ الأخنس بن شريق أتى أبا جهل فقال له: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد إذ كانوا يأتون دار محمد وهو يصلي بالليل يستمعون القرآن فإذا طلع النهار تفرّقوا قال ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منّا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك نحن هذه والله لا نؤمن أبداً ولا نصدقه فقام الأخنس وتركه.


الصفحة التالية
Icon