﴿وإذا جاءك الذين١ يؤمنون بآياتنا﴾ أي يصدقون بنبوتك وكتابك وما جئت به من الدين الحق فهؤلاء رحب بهم وقل٢ سلام عليكم ومهما كانت ذنوبهم التي ارتكبوها، وأخبرهم أن ربهم تعالى قد كتب٣ على نفسه الرحمة فلا يخافون ذنوبهم بعد توبتهم وإنابتهم إلى ربهم بالإيمان به وتوطين النفس على طاعته، ﴿أنه من عمل منكم سوءً٤ بجهالة ثم تاب من بعده﴾ أي أقلع عن الذنب نادماً مستغفراً، وأصلح نفسه بالصالحات فإن ربه غفور رحيم فسيغفر له ويرحمه. هكذا يستقبل كل عبد جاء مؤمناً مستفتياً يسأل عن طريق النجاة يستقبل بالبشر والطلاقة والتحية والسلام لا بالعنف والتقريع والتوبيخ. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٥٤) أما الآية الثانية (٥٥) فإنه تعالى بعد أن نهى رسوله عن الاستجابة لاقتراح المشركين المتكبرين، وعن طرد المؤمنين وعن حكمته في وجود أغنياء وفقراء وأقوياء وضعفاء في الناس وعن الطريقة المثلى في استقبال التائبين المستفتين بعد هذا كله قال تعالى: ﴿وكذلك نفصل الآيات﴾ أي مثل هذا التفصيل نفصل الآيات مستقبلاً لبيان الهداية الإلهية ليهتدي من أراد الله له الهداية وقد طلبها ورغب فيها، ولتستبين٥ وتتضح سبيل المجرمين، فلا تُتبع وَيَنْهى عن اتباعها، لأنها طريق الهلاك والدمار. هذا ما أفادته الآية الثانية أما الآيات الثالثة والرابعة والخامسة في هذا السياق فهي تحمل الهداية الإلهية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طريق دعوته إلى ربه فكل آية من تلك الآيات مفتتحة بكلمة (قل) أي قل أيها الرسول لأولئك المشركين الذين يدعونك إلى موافقتهم على شركهم وعبادة غيري معهم ﴿أني نهيت﴾ أي نهاني ربي أن أعبد ما تدعون٦ من الأصنام والأوثان، وقل لهم: لا أتبع أهواءكم في عبادة غير الله تعالى الموروثة لكم عن آبائكم الضلال مثلكم إني إن فعلت أكون قد

١ روي عن الفضل بن عباس قول: جاء قوم من المسلمين إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا إنّا قد أصبنا من الذنوب فاستغفر لنا فأعرض عنهم فنزلت الآية، وروي عن أنس بن مالك مثله.
٢ أي: سلمكم الله في دينكم وأنفسكم، كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رآهم بدأهم بالسلام وقال: "الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام ".
٣ كتب: بمعنى أوجب ذلك على نفسه بفضله ورحمته، وكتبه في اللوح المحفوظ فالكتابة على بابها إذاً.
٤ ﴿سوءا﴾ أي خطيئة من غير إرادة تحدي شرع الله وانتهاك حرماته وإنما ضعفاً منه وعدم قدرة على التغلب على طبعه وشهوته وميل هواه.
٥ قرىء: ﴿ليستبين﴾ بالياء والتاء فقراءة التاء يكون الخطاب فيها لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي: ولتستبين يا رسولنا سبيل المجرمين، وخطاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطاب لأمته، وإذا بان سبيل المجرمين فقد بان سبيل المؤمنين وقراءة الياء ليستبين سبيل المجرمين، فسبيل مرفوع على الفاعلية.
٦ أطلق لفظ الدعاء وأريد به العبادة، لأنّ الدعاء هو العبادة ومخها أيضاً لما في الدعاء من مظاهر العبودية لله تعالى ومظاهر أسمائه وصفاته عز وجل.


الصفحة التالية
Icon