﴿مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ﴾ أي من النصر ﴿إِلَّا غُرُوراً﴾ أي باطلا: وذلك أنهم لما كانوا يحفرون الخندق واستعصت عليهم صخرة فأبت أن تنكسر فدعي لها الرسول صلى لله عليه وسلم فضربها بالمعول ضربة (١) تصدعت لها وبرق منها بريقٌ أضاء الساحة كلها فكبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكبر المسلمون، ثم ضربها ثانية فصدعها وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة فكبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تكبير الفتح وكبر المسلمون وضرب ثالثة فكسرها وبرقت لها برقة كسابقتيها وكبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكبر المسلمون ثم أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيد سلمان فرقى من الخندق فقال سلمان بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئاً ما رأيته قط فالتفت رسول الله إلى القوم فقال هل رأيتم ما رأى سلمان؟ قالوا نعم يا رسول الله فأعلمهم أنه على ضوء ذلك البريق رأى قصور مدائن كسرى كأنياب الكلاب وإن جبريل أخبرني أن أمتي ظاهرة عليها كما رأيت في الضربة الثانية القصور الحمراء من أرض الروم وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ورأيت في الثالثة قصور صنعاء وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا أبشروا أبشروا فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعود صدق. فلما طال الحصار واشتدت الأزمة واستبد الخوف بالرجال قال المنافقون وضعفاء الإيمان ﴿مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً﴾ إذ قال معتب (٢) بن قشير يعدنا محمد بفتح فارس والروم وأحدنا لا يقدر أن يتبرز فرقاً وخوفاً ما هذا الوعد إلا وعد غرور!!
وقوله ﴿وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ (٣) ﴾ أي من المنافقين؛ وهو أُويس بن قيظي أحد رؤساء المنافقين ﴿يَا أَهْلَ يَثْرِبَ (٤) ﴾ أي المدينة قبل أن يبطل الرسول هذا الاسم لها ويسميها بالمدينة ﴿لا مُقَامَ لَكُمْ﴾ أي في سفح سلع عند الخندق ﴿فَارْجِعُوا﴾ إلى منازلكم داخل المدينة بحجة أنه لا فائدة في البقاء هنا دون قتال، وما قال ذلك إلا فراراً من القتال وهروباً من المواجهة، وقوله تعالى ﴿وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ﴾ أي يطلبون الإذن بالعودة إلى منازلهم بالمدينة بدعوى أن بيوتهم عورة أي مكشوفة أمام العدو وهم لا يأمنون عليها

١ - تقدم أنه من رواية النسائي "النهر"
٢ - لفظ الطائفة يطلق على الواحد فأكثر والمعنى أوس بن قيظي والد عرابة بن أوس الذي يقول فيه لشماخ:
إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
٣ - يثرب هي المدينة وسماها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طيبة وطابة قال السهيلي سمى العرب في الجاهلية المدينة يثرب، لأن الذي نزلها من العماليق اسمه يثرب بن عميل بن قهلائيل بن عوض بن عملاق بن لاوذ بن آم.
٤ - قرأ نافع والجمهور لا مقام بفتح الميم وهو اسم لمكان القيام، وقرأ حفص بضم الميم المقام وهو اسم لمحل الإقامة.


الصفحة التالية
Icon