العقلاء ﴿الْأَعْمَى﴾ الذي لا يبصر شيئا والبصير الذي يبصر كل شيء يقع عليه بصره فكذلك لا يستوي المؤمن السميع البصير، والكافر الأعمى عن الدلائل والبراهين فلا يرى منها شيئاً الأصم الذي لا يسمع نداء الحق والخير، ولا كلمات الهدى والرشاد. كما لا يستوي في حكم العقلاء المحسن المؤمن العامل للصالحات، والمسيء الكافر والعامل للسيئات، وإذا كان الأمر كما قررنا فلم لا يتعظ القوم به ولا يتوبون إنهم لظلمة نفوسهم ﴿قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّرُونَ (١) ﴾ أي لا يتعظون إلا نادراً.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَة (٢) َ لَآتِيَةٌ﴾ يخبر تعالى أن الساعة التي كذب بها المكذبون ليستمروا على الباطل والشر فعلا واعتقاداً لآتية حتماً، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ بها لوجود صارف قوي وهو عدم تذكرهم، وانكبابهم على قضاء شهواتهم.
وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي (٣) أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ إنه لما قرر ربوبيته تعالى وأصبح لا محالة من الاعتراف بها قال لهم: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أي سلوني أعطكم وأطيعوني أثبكم فأنتم عبادي وأنا ربكم. ثم قال لهم: ﴿إن الذين يستكبرون عن عبادتي﴾ ودعائي فلا يعبدونني ولا يدعونني سوف أذلهم وأهينهم وأعذبهم جزاء استكبارهم وكفرهم وهو معنى قوله: ﴿سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ أو صاغرين ذليلين يعذبون بها أبدا.
وفي الآية (٦١) عرفهم تعالى بنفسه ليعرفوه فيؤمنوا به ويعبدوه ويوحدوه، ويكفروا بما سواه من مخلوقات فقال: ﴿اللهُ الَّذِي جَعَلَ (٤) لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ أي جعله مظلما لتنقطعوا فيه عن الحركة والعمل فتستريحوا ﴿وَالنَّهَارَ مُبْصِراً﴾ أي وجعل لكم النهار مبصراً أي مضيئاً يمكنكم التحرك فيه والعمل والتصرف في قضاء حاجاتكم، وليس هذا من إفضال الله عليكم بل إفضاله وإنعامه أكثر من أن يذكر وقرر ذلك بقوله: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ﴾ الله على إفضاله وإنعامه عليهم فلا يعترفون بإنعامه ولا يحمدونه

١- قرأ نافع قليلا ما يتذكرون بالياء وقرأ حفص تتذكرون بالتاء ولكل وجه بلاغي وكأن تذكرهم قليلاً لعدم علمهم فهم كالأموات لجهلهم فهم لا يتذكرون وإن تذكروا قليلاً ينقطعون فلا يحصل المراد من التذكر.
٢- المراد بالساعة ساعة البعث والقيام من القبور. إنه بعد ذكر الأدلة المقررة للبعث كان هذا إعلانا عن تحقق مجيئها وتأكيد الخبر بإن ولام الابتداء لزيادة التحقيق والمراد تحقق وقوعها لا الإخبار عن وقوعها.
٣- روى الترمذي عن النعمان بن بشير وصححه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الدعاء هو العبادة. ثم قرأ ﴿وقال ربكم ادعوني أستجيب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين﴾ وروي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله.
٤- (جعل) إن كانت بمعنى خلق تعدت إلى مفعول واحد كما هي هنا وإن كانت بمعنى صير تنصب مفعولين نحو جعلت الثوب سروالاً.


الصفحة التالية
Icon