ابن عباس وعمر- رضي الله عنهم- فقد فهما معنى آخر وراء الظاهر هو المعنى الباطن الذي تدل عليه السورة بطريق الإشارة.
وأيضا ما ورد من أنه لما نزل قوله تعالى في الآية (١٢) من سورة المائدة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً﴾، فرح الصحابة وبكى عمر رضي الله تعالى عنه وقال: ما بعد الكمال إلا النقص مستشعرا نعيه عليه الصلاة والسلام، فقد أخرج ابن أبى شيبة: أن عمر رضي الله عنه لما نزلت الآية بكى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك؟ " قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذا كمل، فانه لم يكمل شيء قط إلا نقص، فقال عليه الصلاة والسلام: "صدقت" ١.
فعمر- رضي الله عنه- أدرك المعنى الإشاري، وهو نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقره النبي على فهمه هذا. وأما باقي الصحابة فقد فرحوا بنزول الآية، لأنهم أيفهموا أكثر من المعنى الظاهر لها.
هذه الأدلة مجتمعة تعطينا أن القرآن الكريم له ظهر وبطن.. ظهر يفهمه كل من يعرف اللسان العربي، وبطن يفهمه أصحاب المواهب وأرباب البصائر، غير أن المعاني الباطنية للقرآن لا تقف عند الحد الذي تصل إليه مداركنا القاصرة، بل هي أمر فوق ما نظن وأعظم مما نتصور، ولقد فهم ابن مسعود رضي الله عنه: أن في فهم معاني القرآن مجالا رحبا ومتسعا بالغا فقال: "من أراد علم الأولين والآخرين فليثور٢ القرآن" وإلى هذا أشار الله تعالى بقوله: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ سورة الأنعام "٢٨".

١ تفسير الآلوسي ج٦ ص٦٠
٢ أي لينقر عنه ويفكر في معانيه وتفسيره وقراءته.


الصفحة التالية
Icon