أيضا- تنزيلا من عند الله على قلوب أهل العلم كما كان الأصل، وكذا قال علي بن أبى طالب رضي الله عنه في هذا الباب: "ما هو إلا فهم يؤتيه الله من يشاء من عباده في هذا القرآن " فجعل ذلك عطاء من الله، يعبر عن ذلك العطاء بالفهم عن الله، فأهل الله أولى به من غيرهم فلما رأى أهل الله أن الله قد جعل الدولة في الحياة الدنيا لأهل الظاهر من علماء الرسوم، وأعطاهم التحكم في الخلق بما يفتون به، وألحقهم بالذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون- وهم في إنكارهم على أهل الله يحسبون أنهم يحسنون صنعا- سلم أهل الله لهم أحوالهم لأنهم علموا من أين تكلموا، وصانوا عنهم أنفسهم بتسميتهم الحقائق إشارات، فإن علماء الرسوم لا ينكرون الإشارات، فإذا كان في غد يوم القيامة يكون الأمر في الشكل كما قال القائل:
سوف ترى إذا انجلى الغبار... أفرس تحتك أم حمار
كما يتميز المحق من أهل الله من المدعى في الأهلية، غدا يوم القيامة. قال بعضهم:
إذا اشتبكت دموع في خدود... تبين من بكى ممن تباكى
أين عالم الرسوم من قول علي بن أبى طالب- رضي الله عنه-حين أخبر عن نفسه: أنه لو تكلم في الفاتحة من القرآن لحمل منها سبعين وقرأ؟ هل هذا إلا من الفهم الذي أعطاه الله في القرآن؟ فاسم الفقيه أولى بهذه الطائفة من صاحب علم الرسم، فإن الله يقول فيهم ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ فأقامهم مقام الرسول في التفقه في الدين والإنذار، وهو الذي يدعو إلى الله على بصيرة كما يدعو رسول الله لصلى الله عليه وسلم على بصيرة لا على غلبة ظن كما يحكم عالم الرسوم، فشتان بين من هو فيما يفتى به وبقوله على بصيرة