وَقدْ يُحمَلُ التّقديمُ أنْ يكُونَ للتَّعْظِيمِ، وَقَدْ يكُونُ للاعْتناءِ، وقد يَكُون للتّصرّفِ، وبَيانِ قوَّةِ العَامِلِ، وَقَدْ يكُونُ للاختِصاصِ، وهذا المعنى يتمحضّ في النّكِرة، تَقُولُ: شرٌ أَهَرَ ذا نابٍ، أي ما أهَرَّ ذا نابِ إلا شرٌ، وَتَقُولُ: شئ ما جَاءَ بكَ، مَعناهُ ما جاءَ بكَ إلا شيء. والتّقدْيمُ هُنْا لاَ يَكونُ إلا على هذا المَعْنىَ، لأنَّ المبَتدأَ نكِرةٌ وَلا يبتدأ بَالنّكِرِة إلا في مَواضِع، مِنْها الاخْتِصاص.
وفي هذا الخروج من الغيبة إلى الخِطَاب، وَلَوْ جَرَى على أوَّلِ الْكَلامِ لَكان أيّاهُ نَعبًدُ وإيَّاهُ نَسْتَعِين، لَكِنّهُ انتقلَ من الغيَبة إلى الخطاب، وهذا من فَصِيحِ كَلامِ العَرَب، قال امْرُؤُ القيسِ:
تَطاوَل ليلك يالإثْمِدِ | وَنامَ الخلِيُّ وَلم ترقدِ ١ |
وباتَ وبَاتَتَ لَهُ لَيْلةٌ | كَلَيْلَة ذي العائر الأرمد |
وذلِكَ من نبأٍ جاءني | وَخبّرتُهُ عن أبي الأسود ٢ |
قال تعالى: (حَتَّى إِذَا كُنتُمْ في الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بهِم) ٣، انتقل من الخطَاب إلى الغيبة، وَهُو كثِير في القرآنِ، وهذا من فصيح كلام العرَب كما ذَكَرْتُ ذَلِكَ، وُيمكِنُ أنْ يَكُونَ على إيَّاكَ يا مَنْ هذه صِفَاتُهُ، أُعبدُ لأِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الصّفات، وَهِي صِفَاتُهُ تعالى لا يشاركُ فيها، قالت بعده: إيَّاكَ يَا مَنْ هذه صِفَاتُهُ أعْبُدُ.
١، ٢ بيت الشاهد مع ما تلاه في ديوانه ١٨٥، والكشاف ٦٤/١، والبحر المحيط ٤٣/١، والدر المصون ٥٧/١-٥٨.
والخلى: مَن خلا باله من الهموم، والعائر: قذى في العين، تمجّهُ العين عند شدة الألم، وربما يكون الرّمد المعروف.. ومراده بالنبأ هو مقتل أبيه
٣سورة يونس آية: ٢٢.
والخلى: مَن خلا باله من الهموم، والعائر: قذى في العين، تمجّهُ العين عند شدة الألم، وربما يكون الرّمد المعروف.. ومراده بالنبأ هو مقتل أبيه
٣سورة يونس آية: ٢٢.