والأسرار الربانية، التي هي وراء طور العقول ولا تدرك بالطروس «١» ولا بالنقول، وإليها أشار ابن الفارض رضي الله عنه حيث قال:
ولا تكُ مِمَنْ طَيّشَتْهُ طروسه | بحيثُ استخفت عقَلَهُ واستفزّتِ |
فَثمَ وراء النّقلِ عِلْمٌ يَدِقُّ عن | مَدارِكِ غايات العقولِ السليمهِ |
تَلَقيْتُه منّي وعني أَخَذْتهُ | ونفسي كانت من عَطاءٍ مُمدَّهِ |
ثم ذكر حكم من عجز عن صداق الحرة، فقال:
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٥ الى ٢٨]
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨)
قلت: الطول: الغنى والسعة، ويطلق على العلو، مصدر طال طَوْلاً، وهو مفعول «يستطع» أو مصدر له- لتقارب معناهما، و (أن ينكح) بدل منه على الأول، أو مفعول به على الثاني، أي: لأن ينكح، و (محصنات غير مسافحات)، حالان، والعامل فيه: (أنكحوهن)، والخدن: الخليل.
يقول الحق جلّ جلاله: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أي: لم يجد غني يقدر به على نكاح الْمُحْصَناتُ، أي: الحرائر الْمُؤْمِناتِ، فليتزوج مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، من الإماء المؤمنات دون الكافرات، فإن أظهرت الإيمان فاكتفوا بذلك، وعلم الباطن لا يعلمه إلا الله، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ فلا يمنعكم من نكاحهن خوف المعرة، فإنما أنتم جنس واحد، ودينكم واحد، بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فلا تستنكفوا من نكاحهن،
(١) الطروس: الصحف.