فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ، أي أربابهن، حتى يعقدوا لكم نكاحهن، وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ: أي: مهورهن، وهن أحق به دون ساداتهن، على مذهب مالك، بِالْمَعْرُوفِ من غير مطل، ولا نقص، على ما تقتضيه السنة. حال كونهن مُحْصَناتٍ أي: عفيفات غَيْرَ مُسافِحاتٍ أي: غير زانيات وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ. أي: أصحاب يزنون بهن. وكان في الجاهلية مِن النساء مَنْ تتخذ صاحبًا واحدًا تزني معه خاصة، ومنها من لا ترد يد لامس.
قال ابنُ جزي: مذهب مالك وأكثر أصحابه أنه لا يجوز للحر نكاح الأمة إلا بشرطين: أحدهما: عدم الطول وهو ألاَّ يجد ما يتزوج به حُرة، والآخر: خوف العنت وهو الزنا. لقوله بعد هذا: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ، وأجاز ابن القاسم نكاحهن دون الشرطين، على القول بأن دليل الخطاب لا يُعتبر، واتفقوا على اشتراط الإسلام في الأمة، لقوله: مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ إلا أهل العراق فلم يشترطوه. هـ.
الإشارة: فمن لم يستطع أن ينكح أبكار الحقائق، لكونه لم يقدر أن يدفع عن قلبه الشواغل والعلائق، فليتنزل لنكاح العلوم الرسمية والأعمال الحسية، بأخذها من أربابها، ويحصنها بالإخلاص في أخذها، ويقوم بحقها بقدر الإمكان، وهو بذلها لأهلها، والصبر على نشرها، والله لا يضيع أجرَ من أحسن عملاً، فإن صح قصده، وخلص عمله، قيض الله له وليًا من أوليائه يغنيه بالله، حتى يصير من الأغنياء به، فيتأهل لنكاح الحرائر، ويلتحق بأولياء الله الأكابر، (وَمَا ذلك على الله بعزيز).
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضي الله عنه لما تكلم على ثمرات المحبة- قال: فترى النفس مائلة لطاعته، والعقل متحصنا بمعرفته «١»، والروح مأخوذة في حضرته، والسر مغمورا في مشاهدته، والعبد يستزيد [من حبه «٢» ] فيُزاد ويفاتح بما هو أعذب من لذيذ مناجاته، فيكسي حلل التقريب على بساط القربة، ويمس أبكار الحقائق وثيبات العلوم. هـ. فعلم الحقائق أبكار، وما يوصل إليه من علوم الطريقة ثيبات حرائر، وما سواها من علوم الرسوم إماء بالنسبة إلى غيرها، والله تعالى أعلم.
ثم ذكر حدَّ الأمَةِ إذا زنت، فقال:
قلت: أحصن الرجل- بفتح الهمزة وضمها-: صار محصنًا بالفتح والكسر، وهذا مما اتحد فيه البناء للفاعل والمفعول. وقيل بالفتح، معناه: أسلم، وبالضم: تزوج.

(١) فى الأصول: بمعروفه، والمثبت هو ما فى لطائف المنن للسكندرى.
(٢) ما بين المعكوفتين من تدخل الشيخ المفسر فى النقل.


الصفحة التالية
Icon