إلا أن يكون صرفه في تجارة رابحة، تقربكم من الحبيب، وتجلبُكم إلى حضرة القريب، فتلك تجارة رابحة وصفقة نافعة. والله تعالى أعلم.
ثم تكلم على بعض ما يتعلق بحفظ الأبدان، وسيأتي تمامه في قوله: (وَمَا كَانَ لمؤمن... ) إلى آخر الآيات، فقال:
وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ...
يقول الحق جلّ جلاله: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، بالخنق أو بالنخع «١» أو بالجرح، الذي يؤدي إلى الموت، أو بالإلقاء إلى التهلكة. وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله ﷺ في غَزوة ذَات السَّلاَسِلِ، فأجنَبتُ في لَيْلَة بَارِدَة، فَأشْفَقْتُ على نفسي وصَليْتُ بأصحَابِي صَلاة الصُبح بالتيمم. فلَمّا قَدِمتُ ذَكَرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا عَمرُو صلَّيتَ بأصحَابِكَ وأنت جُنُب؟» قلت: نعم يا رسول الله، أشفقت إن اغتسلتُ أن أهلك، فذكرت قوله تعالى: لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئاً).
أو: ولا تقتلوا إخوانكم في الإسلام، فإن المؤمنين كنفس واحدة. قال البيضاوي: جمع في التوصية بين حفظ النفس والمال- الذي هو شقيقها من حيث إنه سبب قوامها- استبقاء لهم. هـ.
وإنما نهاكم عن قتل أنفسكم رأفة، ورحمة بكم، إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً، فقد أمر بني إسرائيل بقتل أنفسهم، وأنتم نهاكم عنه. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ القتل. أو جميع ما سبق من المحرمات عُدْواناً وَظُلْماً، أي:
إفراطًا في التجاوز عن الحد، وإتيانًا بما لا يستحق، أو تعديًا على الغير وظلمًا على النفس، بتعريضها للعقاب، فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارًا أي: نحرقه ونشويه فيها. وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً.
وفي الحديث عنه صلّى الله عليه وسلم: «مَن قَتَل نفسَهُ بِشَيءٍ عذب به في نار جهنم خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا» وهو تغليظ، أو لمن استحل ذلك. وهذا الوعيد الذي ذكره الحق هنا في قتل الإنسان بيده، أهون مما ذكره في قتل الغير، الذي يأتي، لأنه زاد هناك الغضب واللعنة والعذاب العظيم، أما قول ابن عطية: إنه أجمع المفسرون أن هذه الآية في قتل بعضهم بعضًا، فليس بصحيح، والله تعالى أعلم.